عنوان الفتوى : الأثر السيء لاعتياد الخطاب بغير العربية
هل يجوز أن نسمي الله بالفرنسية مثلا كما هو وارد في هذه اللغة، أم يجب أن نقول الله ؟ وإذا كانت جائزة فهل لها حرمة أسماء الله بأن نرفعها عن الأماكن التي لا تليق بها ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه يجب احترام ما فيه أسماء الله تعالى بأي لغة كانت، وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 122036، أن وجوب احترام ما فيه أسماء الرسل كإسرائيل وإسماعيل، محل إجماع بين أهل العلم، لقول الله تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ. {الحج:30}. وقوله: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ. {الحج:32}.
ومن المعلوم أن إسماعيل وإسرائيل يذكر أن معناهما في اللغة العبرية عبد الله.
فقد قال القرطبي في التفسير : ومعنى إسرائيل عبدالله. قال ابن عباس : إسرا بالعبرانية هو عبد، وإيل هو الله ، وقيل إسرا هو صفوة الله، وإيل هو الله ....اهـ.
واعلم أن الأولى أن يسمي المسلم ربه سبحانه وتعالى بأسمائه المذكورة في القرآن إذا كان من يخاطبهم سيفهمون ذلك، وأما إن لم يكونوا يفهمون ذلك فلا حرج في خطابهم بلسان قومهم ليفهمهم ويدعوهم به إلى الله تعالى. وعلى المسلم أيضا أن يحرص على الكلام بالعربية بقدر المستطاع، وأن يتعلمها فإن اللغة العربية أفضل اللغات على الإطلاق، فهي لغة القرآن، ولغة سيد النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: لتكون من المنذرين* بلسان عربي مبين.{الشعراء:194،195}.
وتعلُّمها قال فيه الشافعي: يجب على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما يبلغه جهده في أداء فرضه فيما ورد التعبد به في الصلاة من القراءة والأذكار، لأنه لا يجوز بغير العربية.
وقد قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم: إن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، ولهذا كان كثير من الفقهاء أو أكثرهم يكرهون في الأدعية التي في الصلاة والذكر أن يدعى الله أو يذكر بغير العربية. وقد اختلف الفقهاء في أذكار الصلاة هل تقال بغير العربية. وأما الخطاب بها من غير حاجة في أسماء الناس والشهود كالتواريخ ونحو ذلك فهو منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب وأما مع العلم به فكلام أحمد بين في كراهته أيضا فإنه كره آذرماه ونحوه ومعناه ليس محرما. وأظنه سئل عن الدعاء في الصلاة بالفارسية فكرهه وقال لسان سوء، وهو أيضا قد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم وعن شهود أعيادهم، وهذا قول مالك أيضا فإنه قال: لا يحرم بالعجمية ولا يدعو بها ولا يحلف بها. وقال: نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال: إنها خب. فقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقا. وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجارا ولم تزل العرب تسميهم التجار، ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب والسماسرة اسم من أسماء العجم فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجرا إلا تاجرا ولا ينطق بالعربية فيسمي شيئا بالعجمية وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى بأن يكون مرغوبا فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية، فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها وأن يتكلم بها خالطا لها بالعجمية. وهذا الذي ذكره قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين وقد قدمنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما ما ذكرناه.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف حدثنا وكيع عن أبي هلال عن أبي بريدة قال: قال عمر: ما تعلم الرجل الفارسية إلا خب، ولا خب رجل إلا نقضت مروءته.
وقال: حدثنا وكيع عن ثور عن عطاء قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا عليهم كنائسهم فإن السخط ينزل عليهم. وهذا الذي رويناه فيما تقدم عن عمر رضي الله عنه.
وقال حدثنا إسماعيل بن علية عن داود بن أبي هند أن محمد بن سعد بن أبي وقاص سمع قوما يتكلمون بالفارسية فقال: ما بال المجوسية بعد الحنيفية.
وقد روى السلفي من حديث سعيد بن العلاء البرذعي حدثنا إسحاق بن إبراهيم البلخي حدثنا عمر بن هارون البلخي حدثنا أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق.
ورواه أيضا بإسناد آخر معروف إلى أبي سهيل محمود بن عمر العكبري حدثنا محمد بن الحسن بن محمد المقري حدثنا أحمد بن خليل ببلخ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الجريري حدثنا عمر بن هارون عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالفارسية فإنه يورث النفاق.
وهذا الكلام يشبه كلام عمر بن الخطاب وأما رفعه فموضع تبين.
ونقل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية.
قال أبو خلدة: كلمني أبو العالية بالفارسية. وقال منذر الثوري: سأل رجل محمد ابن الحنفية عن الخبز فقال: يا جارية اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به تنبييزا فاشترت به تنبييزا ثم جاءت به يعني الخبز.
وفي الجملة فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب وأكثر ما كانوا يفعلون إما لكون المخاطب أعجميا أو قد اعتاد العجمية يريدون تقريب الأفهام عليه كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها فكساها النبي صلى الله عليه و سلم قميصا وقال: يا أم خالد هذا سنا. والسنا بلغة الحبشة الحسن.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لمن أوجعه بطنه: أشكم بدرد. وبعضهم يرويه مرفوعا ولا يصح.
وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم. ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديما. ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه.
وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب فيظهر شعار الإسلام وأهله ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب عليه.
واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق، وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية.
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي.
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم.
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله ...اهـ.
والله أعلم.