عنوان الفتوى : إن علينا جمعه وقرآنه
معروف أن النبي كان أميا فكيف كان ينقل الوحي من الغار إلى المسلمين عن طريق الحفظ فهو إنسان يمكن أن ينسى، فكيف كان القرآن الذي كان ينقله صحيحا تماما؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكر في السؤال من أمر النسيان لا شك أنه طبيعة البشر، ولكن الله تعالى قد تفضل على النبي صلى الله بنعمة ظاهرة ومعجزة باهرة، وهي أنه لا ينسى من القرآن شيئا إلا ما أراد الله نسخه، أو ما يعرض له من النسيان المؤقت كشأن عوارض الحافظة البشرية ثم يقيض الله له ما يذكر به.
كما قال تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ {الأعلى:6-7}
قال الطاهر بن عاشور: إلا الذي شاء الله أن ينساه، وذلك نوعان: أحدهما وهو أظهرهما أن الله إذا شاء نسخ تلاوة بعض ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يترك قراءته، فأمر النبي المسلمين بأن لا يقرؤوه حتى ينساه صلى الله عليه وسلم والمسلمون.
النوع الثاني: ما يعرض نسيانه مؤقتا كشأن العوارض البشرية ثم يقيض الله له ما يذكره. انتهى.
وقال عز وجل: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ {القيامة:16-19}
قال السعدي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل بالوحي، وشرع في تلاوته عليه، بادره النبي صلى الله عليه وسلم من الحرص قبل أن يفرغ، وتلاه مع تلاوة جبريل إياه، فنهاه الله عن هذا، وقال: { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} وقال هنا: { لا تحرك به لسانك لتعجل به } ثم ضمن له تعالى أنه لا بد أن يحفظه ويقرأه، ويجمعه الله في صدره، فقال: { إن علينا جمعه وقرآنه } فالحرص الذي في خاطرك، إنما الداعي له حذر الفوات والنسيان، فإذا ضمنه الله لك فلا موجب لذلك. اهـ.
وقال ابن كثير: تكفل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له ويفسره ويوضحه. فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه اهـ.
ولا يخفى أن هذا هو الموافق لمقتضى قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] وراجع للفائدة الفتويين رقم: 117051، 133786 .
والله أعلم.