أرشيف المقالات

(2) ظاهرة انحراف بعض الملتزمين (العلاج) - سعد الدين فاضل

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
سأتبع فيه أسلوب الحكمة بمعنى: أنني أخاطب علماء لا يحتاجون إلى دليل إثبات أو دليل نفي.
وما أحاول الوصول إليه هو علاج مفيد ونافع وخطوات واضحة المعالم للخروج من ذلة المعصية..

1- تقوية العقيدة :
كما ذكرت في المقالة السابقة أن أهم سبب وراء الانحراف هو في الأصل انحراف في العقيدة، وكما قالوا إذا صح الاعتقاد صح العمل، وفي المقابل إذا فسد الاعتقاد فسد العمل، وباختصار نحتاج إلى أن نعيد النظر فيما نعتقد لنقر ما هو صواب، ولنترك ما هو باطل وهذا يحتاج إلى بحث ودراسة وتأمل وتدبر لكلام الله تعالى، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم..

يا أخي! إذا وجدت نفسك غير مقتنع بقدرة الله فتأمل في هذا الكون وإذا وجدت لديك شك في أي شيء أنصحك لا تترك نفسك معلقًا بل افترض العدم وابحث بنفسك عن الحق، وصدقني العقيدة التي ستصل بالمعايشة لن تتغير لديك أبدًا بإذن الله، وهذا البحث له أصول وقواعد شرعية وضوابط علمية لا تتبع فيه الهوى.

2- الثقة في الله سبحانه وتعالى:
لا يشك عاقل يؤمن بالله حقًا في أن الله على كل شيء قدير، وأن ما قاله الله لنا من خلال كلامه في كتابه الحكيم هو عين الحق والصدق، هذه الثقة من شأنها أن تجعلنا لا نلتفت كثيرًا إلى الانحطاط العام للمجتمع، وتجعلنا نتمسك بالدين والأخلاق والمبادئ.

3- العودة إلى المركزية الرئيسية في حياة المؤمن:
لنفهم أولا ماذا تعني المركزية؟ ما من واحد فينا إلا وله هدف يدور حوله، وينظم حياته بما يتماشى مع تحقيق هذا الهدف، فمثلاً من هدفه المال يسعى جاهدًا لجمعه، ومن يسعى للشهرة كذلك، وهكذا تختلف الأهداف والمركزية التى يدور حولها كل واحد منا، إلا أن المؤمن الحق له مركزية أساسية لا ينبغي له أن يخرج عنها إنها (رضا الله)، نعلم ذلك من قول الله تعالى {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد من الآية:7]، فالنصر ليس مقتصرًا على الجهاد والمعارك، وإنما في كل حياتنا وأقوالنا وأفعالنا، فمركزية المؤمن نصرة الله وإرضائه وطاعته، فيجب علينا أن ننظم حياتنا وقرارتنا بما يتماشي مع ما يريده الله..

4- علو الهمة :
وعلو الهمة لا يأتي من فراغ ولا من الهواء بل يحتاج إلى جهد، وقديمًا قالوا: "جاهد تشاهد"، وأهم شيء يمكن أن يرفع همتك نحو العمل الصالح هو أن تقوي إيمانك باليوم الآخر، فلا يتخيل إنسان يؤمن بالله ويعلم أنه سيقف مسؤولاً بين يده أن يعصيه، أو أن يترك طاعته، فحينما يقوى إيمانك بالله واليوم الآخر تجد الحياة الدنيا بشهواتها وملذاتها حقيرة ولا تعني لك شيئًا، وحينما تقرأ قول الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ .
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}
[النازعات:40-41]، تعلم أن صبرك عن المعصية جزاؤه الجنة ولن يذهب هدرًا، وحاول أن تخصص وقتًا لقراءة قصص وسير المجاهدين من الصحابة والتابعين والصالحين فهذا يحفز النفس ويرفع الهمة.

5- الصبر :
والصبر من العبادات التي يجازي الله عنها بغير حساب، قال الله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر من الآية:10]، بل هو نصف الإيمان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصبر نصف الإيمان» (الترغيب والترهيب:220/4)، بل أن الإنسان في خسران إذا لم يكن من الصابرين: {وَالْعَصْرِ .
إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ .
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
[سورة العصر]، والصبر ليس فقط كما يفهم الكثير مرتبط بالمصائب والكوارث وفقط، بل الأمر أشمل من ذلك فالطاعة تحتاج إلى صبر وترك المعصية يحتاج إلى صبر، حتى الابتلاء بالنعم والأموال يحتاج إلى صبر، فالصبر فعلاً نصف الإيمان.

6- مجاهدة النفس:
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:60]، فإذا أردت الوصول إلى الله فهذا يتطلب منك جهاد ومجاهدة حقيقية للنفس وشهواتها، هذا كلام معروف..
لكن! هل جربت أن تطبقه؟ هل جربت أن تخالف نفسك وشهواتك؟ هل جربت أن تتنازل عن كبريائك وغرورك لله؟ هل جربت أن تسامح من اعتدى؟ هل جربت أن تحسن إلى مسيء إليك؟ هل جربت أن تقول إني أخاف الله؟ ما أعنيه هنا بمجاهدة النفس أن تقف مع نفسك وقفة رجولة وشجاعة، وأن تقول بعلو صوتك لشهواتك ورغباتك لا وألف لا..
يا نفس إني أخاف الله، جرب هذا وستجد في كل مرة تفعلها ارتقاءً وارتفاعاً وحلاوة لن تتذوقها إلا بقلبك، بالطبع لن يسكت الشيطان ولا يرضيه ذلك، ولهذا وضعت النقطة التالية..

7- احذر عداوة الشيطان.
لتكن على حذر دائم من اتباع خطوات الشيطان، فإنه لن ييأس منك وسيظل يرشدك إلى طرق الشر والفساد بطرقه المختلفة، ألم تعلم أنه توعد أن يصدنا عن الصراط المستقيم وعن الهداية ليوردنا مورد الهلاك - النار - {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف من الآية:16]، ومحاربة الشيطان لن تكون إلا بالاعتصام بالله والاعتماد عليه، وهناك خطوات عملية لذلك يجب أن تتبعها..

• المحافظة على الصلاة في جماعة وخاصة صلاة الفجر والعصر.
• المحافظة على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم واليقظة (هام جدًا).
• احرص على مجالس الذكر والعلم فالشيطان يكره هذه المجالس، وسيصدك عنها بكل الوسائل والأفكار التي لا تتخيلها.
• لا تعيش وحيدًا أبدًا مهما كانت الظروف، حاول أن تكون في صحبة الأهل أو الأصدقاء إذا لم تكن متزوجًا، أو الزوجة والأولاد، لا تعيش بمفردك فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
• قراءة آية الكرسي وأواخر سورة البقرة .
• قراءة القرآن وختمه بشكل منتظم حسب استطاعتك.

8- الدعاء :
فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يدعو الله بالهداية والتثبيت على الدين، ولتعلم أخي المؤمن أن قلبك بيد الله وهدايتك بأمره قبل كل شيء، فاجتهد في الوصول إلى الله بالعمل والدعاء أن يثبتك الله.

9- عبادة الخلوة: ( قيام الليل ، الصدقات، مساعدة الآخرين).
خصص لنفسك عبادة لا يعلمها أحد عنك ولا تخبر بها أحد، فقط بينك وبين الله، فهذا سيساعدك كثيرًا على أن تراقب الله في كل أعمالك تدريجيًا بإذن الله..

وفي النهاية أخي المسلم لتعلم أنك فرد في هذا المجتمع وصلاح المجتمع بصلاحك أنت أولاً، فاحذر أن تكون سببًا في ضياع الأمة الإسلامية بل كن سببًا في الارتقاء بها بارتقائك أنت أولاً إلى الله بالطاعة، ولا تنسى قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

أسأل الله أن يردنا إليه ردًا جميلاً وأن يثبت الإيمان في قلوبنا.

شارك الخبر

المرئيات-١