عنوان الفتوى : المسافر إذا انتقض وضوؤه أثناء الصلاة الثانية
صلينا المغرب والعشاء جمعا، وأكملت صلاة المغرب وثلاث ركعات من صلاة العشاء ونقض الوضوء. هل أعيد الصلاة مباشرة أم أصلي العشاء بعد أذان العشاء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعلى القول بعدم اشتراط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين جمع تقديم فإنه لا حرج على من انتقض وضوؤه أثناء الصلاة الثانية في أن يعيد وضوءه ويصلي الصلاة التي انتقض وضوؤه فيها جامعا لها مع الأولى، وهذا القول وهو عدم اشتراط الموالاة في جمع التقديم هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وإليه يميل العلامة العثيمين رحمه الله، قال في الشرح الممتع: واختار شيخ الإِسلام ابن تيمية: أنه لا تشترط الموالاة بين المجموعتين وقال: إن معنى الجمع هو الضم بالوقت أي: ضم وقت الثانية للأولى بحيث يكون الوقتان وقتاً واحداً عند العذر، وليس ضم الفعل، وعلى رأي شيخ الإِسلام: لو أن الرجل صلّى الظهر وهو مسافر بدون أن ينوي الجمع، ولو كان مقيماً ثم بدا له أن يسافر قبل العصر فإنه يجمع إذا سافر ولو طال الفصل، وعلى ما ذكره المؤلف لا يجمع لسببين: أولاً: أنه لم ينوِ الجمع عند إحرام الأولى. الثاني: أنه فصل بينهما.
وقد ذكر شيخ الإِسلام رحمه الله نصوصاً عن الإِمام أحمد تدل على ما ذهب إليه من أنه لا تشترط الموالاة في الجمع بين الصلاتين تقديماً، كما أن الموالاة لا تشترط بالجمع بينهما تأخيراً كما سيأتي، والأحوط أن لا يجمع إذا لم يوالِ بينهما، ولكن رأي شيخ الإِسلام له قوة. انتهى
وأما على قول من اشترط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين فإنه إن لم يطل الفصل بين الأولى والثانية لم يبطل الجمع، وإن طال بطل الجمع.
ومن ثم فإن عليه أن يصلي الصلاة الثانية حين يدخل وقتها، ولا فرق في عدم جواز الجمع في هذه الحال بين المعذور وغيره، فإن الشافعية نصوا على أن المعذور بالتفريق كالنائم والناسي والمغمى عليه لا يرخص له في الجمع أيضا، جاء في حاشية إعانة الطالبين: ( قوله وولاء ) معطوف على نية أيضا أي وشرط لجمع تقديم ولاء بين الصلاتين لما روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع بنمرة بين الصلاتين والى بينهما وترك الرواتب بينهما وأقام للصلاة بينهما. ولأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة فوجبت الموالاة كركعات الصلاة.
( وقوله عرفا ) أي المعتبر في الولاء العرف. وضبطوه بأن لا يفصل بينهما بما يسع ركعتين بأخف ممكن فإن فصل بينهما بما يسع ذلك ضر ووجب تأخير الثانية إلى وقتها المعتاد فتضر الصلاة بينهما ولو راتبة ... ( قوله فلا يضر إلخ ) مفرع على الولاء في العرف.
( وقوله فصل يسير ) أي ولو لغير مصلحة الصلاة، وخرج به الطويل فيضر ولو بعذر كسهو وإغماء. انتهى باختصار
وفي كشاف القناع: ( و ) الثاني ( الموالاة فلا يفرق بينهما ) أي المجموعتين؛ لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة، ولا يحصل ذلك مع التفريق الطويل ( إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف ) لأن ذلك يسير وهو معفو عنه وهما من مصالح الصلاة وظاهره تقدير اليسير بذلك، وصحح في المغنى والشرح وجزم به في الوجيز أن يرجعه إلى العرف كالقبض والحرز، فإن طال الوضوء بطل الجمع. انتهى
ولا شك في أن قول شيخ الإسلام ومن وافقه لا يخلو من قوة، وفيه رفق وتسهيل يناسب مقاصد الشريعة، غير أن الاحتياط هو العمل بقول الجمهور.
والله أعلم.