عنوان الفتوى : خشية عمر أن يكتب النبي أمورا ربما عجزوا عنها
هل صحيح أن أحد الصحابة وعلى ما أظن عمر أو أبو بكر رضي الله عنهما عند ما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتضر أن يدوَن شيئا فقال أحدهما رضوان الله عليهم دعوه يهذي أو دعوه يهجر أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن هذا موجود في كتبنا الصحيحة لأهل السنة؟ أثناء بحثي على المواقع وجدت الرد أن في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حاول الانتحار لكني لم أجد النص المذكور في صحيح البخاري حتى تكتمل لي جميع الأركان لكي أزيل الشبهة لو تكرمتم بإطلاعي على النص المذكور في صحيح البخاري مع الشرح المفصل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما أبو بكر رضي الله عنه فلا ذكر له في هذا الحديث، وأما عمر رضي الله عنه فالثابت عنه ـ كما في الصحيحين وغيرهما ـ أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا.
وأما الكلام المذكور في السؤال فليس لفظه الصحيح كما أورده السائل، وإنما لفظ الحديث: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي. فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه. قال: دعوني فالذي أنا فيه خير ... الحديث.
فهذا الكلام إنما قاله بعض من حضر، وقد أخطأ من نسب ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، كابن الأثير في (النهاية) حيث قال: (أهجر) على سبيل الاستفهام. أي: هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض؟ وهذا أحسن ما يقال فيه، ولا يجعل إخبارا فيكون إما من الفحش أو الهذيان. والقائل كان عمر ولا يظن به ذلك. اهـ.
وعلى العكس من ذلك، قد نص طائفة من أهل العلم على أن قائل ذلك إنما قاله ردا على عمر ومن معه، كما في شرح النووي على مسلم: إنما جاء هذا من قائله استفهاما للإنكار على من قال: لا تكتبوا. أي لا تتركوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يهجر. وإن صحت الروايات الأخرى كانت خطأ من قائلها قالها بغير تحقيق، بل لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الحالة الدالة على وفاته وعظيم المصاب به وخوف الفتن والضلال بعده، وأجرى الهجر مجرى شدة الوجع. وقول عمر رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله. رد على من نازعه لا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقوله صلى الله عليه وسلم : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه. ذكر ابن الجوزي في (كشف المشكل) احتمالين لمعناه، أحدهما: أن يكون المعنى: فإن امتناعي من أن أكتب لكم خير مما تدعونني إليه من الكتابة. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وعلى ذلك، كان ذلك الأمر اختبارا وامتحانا، فهدى الله عمر لمراده وخفي ذلك على غيره. اهـ.
وقال النووي: أما كلام عمر رضي الله عنه، فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره؛ لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله. لقوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} وقوله {اليوم أكملت لكم دينكم} فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة، وأراد الترفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقد سبق لذلك مزيد في الفتويين: 66300، 31412.
وأما ما يتعلق بالسؤال الثاني فقد سبق لنا تفصيله في الفتوى رقم: 128476.
والله أعلم.