عنوان الفتوى : مدى صحة قصة عمر بن الخطاب وخدمته بنفسه وأهله لأسرة فقيرة
انتشرت القصة التالية بين الناس، فأرجو منكم الإفادة عن مدى صحتها -أثابكم الله وكتب أجركم-:كان عمر ينادي زوجته: يا بنت الأكرمين. كان يكرمها ويكرم أهلها.في إحدى الليالي كان سيدنا عمر بن الخطاب يدور حول المدينة ليتفقد أحوال الرعية, فرأى خيمة لم يرها من قبل، فأقبل نحوها متسائلا ما خبرها، فسمع أنينًا يصدر من الخيمة فازداد همّه، ثم نادى فخرج منها رجل، فقال: من أنت؟ فقال: أنا رجل من إحدى القرى من البادية، وقد أصابتنا الحاجة، فجئت أنا وأهلي نطلب رفد عمر، فقد علمنا أن عمر يرفد ويراعي الرعية. فقال عمر: وما هذا الأنين؟ قال: هذه زوجتي تتوجع من ألم الولادة. فقال: وهل عندكم من يتولى رعايتها وتوليدها؟ قال: لا! أنا وهي فقط. فقال عمر: وهل عندك نفقة لإطعامها؟ قال: لا. قال عمر: انتظر أنا سآتي لك بالنفقة ومن يولدها.وذهب سيدنا عمر إلى بيته وكانت فيه زوجته سيدتنا أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، فنادى: يا ابنة الأكرمين، هل لك في خير ساقه الله لك؟ فقالت: وما ذاك؟ قال: هناك مسكينة فقيرة تتألم من الولادة في طرف المدينة. فقالت: هل تريد أن أتولى ذلك بنفسي؟ فقال: قومي يا ابنة الأكرمين وأعدي ما تحتاجه المرأة للولادة. وقام هو بأخذ طعام ولوازم الطبخ وحمله على رأسه، وذهبا.وصلا إلى الخيمة ودخلت أم كلثوم لتتولى عملية الولادة، وجلس سيدنا عمر مع الرجل خارج الخيمة ليعد لهم الطعام.أم كلثوم من الخيمة تنادي:يا أمير المؤمنين، أخبر الرجل أن الله قد أكرمه بولد وأن زوجته بخير. عندما سمع الرجل منها (يا أمير المؤمنين) تراجع إلى الخلف مندهشًا، فلم يكن يعلم أن هذا عمر بن الخطاب، فضحك سيدنا عمر، وقال له: اقترب. اقترب. نعم أنا عمر بن الخطاب، والتي ولدت زوجتك هي أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب.فخرّ الرجل باكيًا وهو يقول: آل بيت النبوة يولدون زوجتي! وأمير المؤمنين يطبخ لي ولزوجتي!فقال عمر: خذ هذا وسآتيك بالنفقة ما بقيت عندنا.هذا هو المنهاج الذي أخذوه من سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فما كانت رفعة عمر بمجرد صلاة وصيام وقيام، ولا فتوحات فتحها في الأرض، بل كان له قلب خاضع خاشع متواضع منيب وأواب، يقيم العدل والحق في الأرض، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله يوم القيامة.يقول أحدهم: سمعت الشيخ/ محمد ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- يقص هذه القصة على المصلين ويبكي.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة لم تصح عندنا؛ فإنا لم نقف لأصلها على إسنادٍ متصل صحيحٍ ولا ضعيفٍ -فيما بين أيدينا من المصادر-، وقد ذكرها ابن الجوزي في "التبصرة" (ص: 427)، بقوله: [وروى ثابت عن أنس قال: بينما عمر يعس بالمدينة]، هكذا معلقاً.
وعلّقه عن أنس أيضًا محب الدين الطبري في "الرياض النضرة في مناقب العشرة" (2/ 390)، وابن المبرد الحنبلي في "محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب" (1/ 391).
وذكرها ابن كثير بلا إسنادٍ عن أسلمَ مولى عمر، في "البداية والنهاية"، ضمن كلامه على سنة ثلاث وعشرين.
فهذه الأسانيد كلها منقطعة كما ترى.
وبناء على ما وقفنا عليه؛ فالقصة غير ثابتة، وقد أجبنا بحسب ما بلغنا من العلم. والله أعلم.