عنوان الفتوى : براءة عمر رضي الله عنه مما نسب إليه
لماذا قال عمر بن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم عند مرضه أنه يهجر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل السائل يقصد ما جاء في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني بالكتف أو اللوح والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه، فقال: ذروني..، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه... الحديث. وفي رواية مسلم: يهجر.
ومعنى الهجر -كما قال أهل العلم- الهذيان الذي يصدر من المريض والكلام الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مستحيل لأنه معصوم في صحته ومرضه، لقول الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى {النجم: 3}.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقاً.
وعمر ليس هو القائل لهذا القول، وإنما قاله بعض الصحابة رضوان الله عليهم رداً على عمر ومن معه عندما قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم كتاب الله تعالى.
فكأن القائل لذلك قاله مستفهما ومنكراً على من توقف في امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر بإحضار اللوح والدواة فكأنه قال: كيف تتوقف في امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ أتظن أنه يهذي في مرضه كما يقع لغيره من المرض؟ امتثل أمره وأحضر له ما أراد فإنه لا يقول إلا الحق..
قال النووي في شرح مسلم: وقد اختلف العلماء في الكتاب الذي هم به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أراد أن ينص على الخلافة لئلا يقع نزاع وفتن، وقيل: أراد أن يبين مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، ثم ظهر له أن المصلحة في تركه، ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ {المائدة: 67}.
كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه.
وأما قول عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم كتاب الله حسبنا كتاب الله فهو رد على من نازعه وليس على النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما قصد التخفيف عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في تلك الحالة وللتنبيه على ما جاء في كتاب الله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ {النحل: 89}.
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ {المائدة: 3}. مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ {الأنعام: 38}.
فعلم أن الله تعالى أكمل دينه وأن الأمة لن تضل ما تمسكت بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب النبي صلى الله عليه وسلم أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فكان عمر أفقه من ابن عباس ومن وافقه.
هذا باختصار ملخص ما ذكره الإمام النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح عن هذه الواقعة وبه يتبين لك معنى يهجر وأنها ليست من كلام عمر رضي الله عنه.
والله أعلم.