عنوان الفتوى : معنى قوله في الحديث: ولا صفر، وبيان البدع المتعلقة بشهر صفر
بعد شهر الله - شهر المحرم - يأتي شهر صفر، وهو ثاني الشهور القمرية ، ويكون تسعة وعشرين يوما أو ثلاثين. وقد أبطل الإسلام ما كان عليه العرب من اعتقاد حول هذا الشهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاعدوى ولا طيرة ولا صفر ....الحديث. في مسند أحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود. فاختلف ما المراد بصفر . قيل هو داء يصيب البطن، وممن ذهب إلى ذلك الإمام أحمد. وقيل هو النسيء، فيؤخرون المحرم إلى صفر أي يحلون المحرم ويحرمون صفر، وممن قال بذلك الإمام مالك. وقيل المراد هو التشاؤم بهذا الشهر فكانوا لا يسافرون في هذا الشهر لأنهم يظنون أنه تكثر فيه المصائب والفتن. فنهى الإسلام عن هذا، واعتبره مخالفا للتوحيد ، لأن النافع الضار هو الله عز وجل. وقد أحدث بعض الجهلة من المسلمين بدعة جديدة، فإذا أقبل شهر صفر قالوا صفر الخير ظنا منهم أن هذا مخالف لأمر الجاهلية، وهذا أيضا ضلال لأن شهر صفر ليس شهر شر ولا شهر خير. ومن بدع شهر صفر كذلك .١ـ نافلة آخر أربعاء من صفر.٢ـ الاجتماع بين العشائين في آخر أربعاء من صفر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يتضح لنا هل لدى الأخ السائل إشكال فيما ذكره أم لا؟ ولكننا لتحصيل مزيد الفائدة نقول: فالحديث المشار إليه مروي بهذا اللفظ في مسند أحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود، وهو أيضا مروي بألفاظ أخرى فيها زيادة أو نقص في صحيح البخاري وسنن ابن ماجه، وما ذكرته من معان لكلمة (صفر) فهي صحيحة، ولمزيد الإيضاح فإن قوله صلى الله عليه وسلم : ولا صفر. قد اختلف في تفسيره على النحو التالي:
أولاً: قال كثير من المتقدمين: الصفر داء في البطن. يقال: أنه دود فيه كبار كالحيات، وهو أعدى من الجرب عند العرب، فنفى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وممن قال بهذا من العلماء : ابن عيينة، والإمام أحمد، والإمام البخاري، والطبري.
وقيل : المراد بالصفر : الحية، لكن المراد بالنفي نفي ما كانوا يعتقدون أن من أصابه قتله ، فردّ الشارع ذلك بأن الموت لا يكون إلا إذا فرغ الأجل. وقد جاء هذا التفسير عن جابر وهو أحد رواة حديث: ولا صفر.
ثانياً : وقالت طائفة : بل المراد بصفر هو شهر صفر. ثم اختلفوا في تفسيره على قولين:
* أن المراد نفي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء فكانوا يحلون المحرم، ويحرمون صفر مكانه، وهذا قول الإمام مالك.
* أن المراد أن أهل الجاهلية كانوا يستشئمون بصفر ويقولون أنه شهر مشؤوم، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. ورجَّح هذا القول ابن رجب الحنبلي.
ويجوز أن يكون المراد هو الدواب التي في البطن، والتي هي أعدى من الجرب بزعمهم، وأن يكون المراد تأخير الحرم إلى صفر وهو ما يسمى بالنسيء، وأن الصفرين جميعاً باطلان لا أصل لهما، ولا تصريح على واحد منهما، وكذلك يجوز أن يكون المراد هو نفي التشاؤم بصفر؛ لأن التشاؤم بصفر من الطيرة المنهي عنها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا طيرة. ولقوله صلى الله عليه وسلم: الطيرة شرك، الطيرة شرك. ويكون قوله: ولا صفر. من باب عطف الخاص على العام، وخصَّه بالذكر لاشتهاره.
فالنفي- والله أعلم- يشمل جميع المعاني التي فسر العلماء بها قوله صلى الله عليه وسلم: لا صفر. والتي ذكرتها؛ لأنها جميعاً باطلة لا أصل لها، ولا تصريح على واحد منها (البدع الحولية للتويجري).
وقال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وأرجحها أن المراد شهر صفر حيث كانوا يتشاءمون به في الجاهلية، والأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله -عز وجل- فهو كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر. مجموع الفتاوى والرسائل.
وأما قول البعض (صفر الخير)، فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين مثلًا من شهر صفر أرخ ذلك وقال: انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير. فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة، والجهل بالجهل. فهو ليس شهر خير، ولا شر. ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: خيرًا إن شاء الله. فلا يقال خير ولا شر بل هي تنعق كبقية الطيور. (مجموع الفتاوى والرسائل)
وقال في موضع آخر: أما شهر رمضان، وقولنا: إنه شهر خير، فالمراد بالخير العبادة، ولا شك أنه شهر خير، وقولهم: رجب المعظم، بناء على أنه من الأشهر الحرم. مجموع الفتاوى والرسائل.
وأما بخصوص النافلة التي تفعل آخر أربعاء في صفر فقد سبق الكلام عليها في الفتوى رقم: 119817، وما أحيل عليه فيها، فارجع إليها، وقد سئلت عنها اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية فأجابت: هذه النافلة المذكورة في السؤال لا نعلم لها أصلا من الكتاب ولا من السنة، ولم يثبت لدينا أن أحدا من سلف هذه الأمة وصالحي خلفها عمل بهذه النافلة، بل هي بدعة منكرة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. وقال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. ومن نسب هذه الصلاة وما ذكر معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد من الصحابة رضي الله عنهم فقد أعظم الفرية، وعليه من الله ما يستحق من عقوبة الكذابين.
وأما بخصوص الاجتماع بين العشائين في آخر أربعاء من صفر، فهي أيضا بدعة منكرة. قال الشيخ عبد الله التويجري في البدع الحولية: وكذلك ما يفعله بعض الناس في اجتماعهم في آخر أربعاء من شهر صفر بين العشاءين في بعض المساجد، ويتحلقون إلى كاتب يرقم لهم على أوراق آيات السلام السبعة على الأنبياء؛ كقوله تعالى: سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ. ثم يضعونها في الأواني، ويشربون من مائها، ويعتقدون أن سر كتابتها في هذا الوقت، ثم يتهادونها إلى البيوت. ونظير هذا تشاؤم بعض الناس في بعض الأقطار الإسلامية من عيادة المريض يوم الأربعاء وتطيرهم منه، ولا شك أن التشاؤم بصفر أو بيوم من أيامه هو من جنس الطيرة المنهي عنها... انتهى. وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 39961.
والله أعلم.