عنوان الفتوى : شبهات وجوابها حول الموسيقى
قال الألباني: ( صاحب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل ) - ما حكم من رد على أدلة حرمة الموسيقى بأنها ليس فيها شيء ؟! - ( عندما فعل السامري عجلا جسدا له خوار ) ألم يجعل له صوتا ؟! - أليس عيبا قول بعض المشايخ (اللجوء إلى الموسيقى يهذب النفس ويريحها) أليس في هذا تحريض على كتاب رب العالمين ؟! - أيضا بعض المشايخ يجزمون بأن التحريم للكلمات وليس لصوت الآله ؟! - أيضا منهم من قال حرمها على نفسك .. ولو أنه حلال إذا لقالوا لمن ترك الزواج لعدم اقتناعه بأن يفضي الرجل إلى زوجته.. حرمه على نفسك. أليس كل هذا نقصا في عقيدتهم أم ماذا ؟! كل هذه أسئلة تدور في ذهني وأنا ابن العشرين ؟! أرجو رأيا سليما من باب نصرة الحق على الباطل ومن باب ما يزيد الإيمان لا يشتته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فزادك الله حرصا وغيرة على دينك وتمسكا به، ونحب أن نلخص الإجابة على استفسارك من خلال النقاط التالية:
1 ـ إذا أنصف المرء وتجرد للحق ولم يكن للهوى أثر في اعتقاده ولا أفعاله، فلا شك أن دليلا واحدا سالما عن المعارض يكفيه، وأما من اتبع هواه فإنه يضل عن سبيل الله، ولهذا قال سبحانه: وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. {ص: 26}. وهكذا كان أهل الكتاب الذين خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في حقهم فقال: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ. {البقرة: 145}.
قال السعدي: بِكُلِّ آيَةٍ أي: بكل برهان ودليل يوضح قولك ويبين ما تدعو إليه مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ أي: ما تبعوك. اهـ.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عما يصير إليه طوائف من هذه الأمة من اتباع أهل الكتاب فقال عليه الصلاة والسلام: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. متفق عليه.
2 ـ إنه في حين يسوغ للمسلم أن يحكم على رأي ما بالخطأ أو الصواب، اعتمادا على نصوص الوحي وأدلة الشرع وأقوال أئمة العلم، فإنه لا يسوغ له أن يحكم على النوايا والبواطن التي لا يعلمها إلا علام الغيوب سبحانه، وقد أُمِرْنا أن نأخذ الناس بظواهرهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. رواه البخاري ومسلم. وهكذا فعل صلى الله عليه وسلم مع المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك واعتذروا بالكذب، كما قال كعب بن مالك: فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله. متفق عليه. فحسبنا أن نحكم بالخطأ على القول، وأما اتهام القائل بالنقص في عقيدته وأنه إنما قال ذلك اتباعا لهواه، فنحن في غنية عن هذا وأشباهه.
3 ـ عامة أهل العلم على تحريم الموسيقى، وقد حكى بعضهم الإجماع على تحريمها، منهم الإمام القرطبي وأبو الطيب الطبري وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب الحنبلي وابن الصلاح وابن حجر الهيتمي، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 126078، وما أحيل عليه فيها. وقد تقدم لنا أيضا في الفتوى رقم: 130531، مسألة: هل تحريمها محل إجماع أم لا. ويمكن لمزيد الفائدة الاطلاع على الفتويين: 4588، 54316.
4 ـ موضوع تهذيب النفس أو حصول الراحة لها عن طريق الموسيقى يتعدى مجرد القول بإباحتها، وقد يدخل ذلك في دائرة الابتداع في الدين، فإن تهذيب النفوس وتزكيتها إنما يؤخذ من ميراث النبوة: من كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقوال ونصائح الربانيين من أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم جميعا.
وفي هذا كله غنية لمن رام راحة نفسه واطمئنانها، قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ.{الزمر: 23}. وقوله سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ. {الرعد: 28}. ومن لم يكن كذلك فقد أتِي من طول أمله وقسوة قلبه وبعده عن نور الوحي، قال عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ. {الحديد: 16}.
5 ـ التحليل والتحريم حق خالص لله تعالى، فليس لأحد أن يحكم بحل أو حرمة من عند نفسه، قال تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. {النحل: 116-117}. فلا يملك أحد أن يحرم ولو على نفسه ما لم يحرمه الله، وهذا من الاعتداء المقيت الذي نُهِينا عنه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {المائدة: 87}. وراجع الفتوى رقم: 3782.
6- ينبغي أن تعلم أن في مثل هذه المسائل وإن كان الحق فيها واضحا أو ظاهرا جدا إلا أنه لا يجوز الحكم فيها على المخالف بنقص في إيمانه أو عقيدته أو الخوض في نيته فهذا من الاعتداء في المناقشة والمحاورة.
والله أعلم.