عنوان الفتوى : نقل الوقف والتصرف فيه
قطعة أرض تابعه لمسجد, قام شخص ببيعها بتصرف فردي بنصف ثمنها على أن ترجع أموالها لفائدة المسجد, علماً بأن فائدة المسجد غير واضحة للجميع.1- ما حكم الشرع في ذلك ؟2- هل يجوز شراء هذه الأرض؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن السائل لم يبين لنا علاقة البائع للأرض بهذا المسجد هل هو ناظر الوقف أم هو مجرد مصل من المصلين؟ والأصل على كل أن الأرض التابعة للمسجد وقف لا يجوز بيعه ولا التصرف فيه بما يخرجه عن وقفيته إلا عند بعض أهل العلم من الحنابلة الذين أجازوا بيعه إن وجدت مصلحة تعود على الوقف بذلك، ولا يبيعه عندهم إلا الحاكم أو ناظر الوقف.
ويدل لعدم جواز البيع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لما استأمره عمر رضي الله عنه في شأن أرض له بخيبر: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر؛ أنها لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب. وقد ذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى عدم جواز بيع الوقف واستبداله بغيره مطلقا أخذا بعموم هذا الحديث، وللإمام أحمد رواية أخرى وهو أنه لا يجوز بيعه ولا استبداله بغيره إلا أن تتعطل منافعه بالكلية، ولا يمكن الانتفاع به ولا تعميره وإصلاحه أو دعت المصلحة إلى ذلك، والدليل على ذلك ما فعله عمر رضي الله عنه حين بلغه أن بيت المال الذي بالكوفة نُقب فكتب إلى سعد أن انقل المسجد الذي بالتَّمَارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد . وكان هذا العمل بمشهد من الصحابة فلم ينكر فهو كالإجماع . وقد ذهب إلى هذا القول الأخير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث يقول: ومع الحاجة يجب إبدال الوقف بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه لظهور المصلحة.
ولاشك أن هذا القول هو الوسط الذي يراعي المصالح، ويتقوى بفعل عمر الذي تقدم، مع العلم بأن عمر هو صاحب الحديث المتقدم ، ولو فهم منه عدم جواز نقل الوقف والتصرف فيه بما يتماشى مع المصلحة لما أقدم على نقل المسجد، وجعل مكانه سوقاً للتمارين.
وقال ابن قدامة في المغني : الوقف إذا خرب , وتعطلت منافعه , كدار انهدمت , أو أرض خربت وعادت مواتا , ولم تمكن عمارتها , أو مسجد انتقل أهل القرية عنه, وصار في موضع لا يصلى فيه, أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه . أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه , جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته . وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه , بيع جميعه . قال أحمد في رواية أبي داود : إذا كان في المسجد خشبتان , لهما قيمة , جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه . ..... ونص على جواز بيع عرصته في رواية عبد الله , وتكون الشهادة في ذلك على الإمام. قال أبو بكر : وقد روى علي بن سعيد , أن المساجد لا تباع , وإنما تنقل آلتها . قال : وبالقول الأول أقول ; لإجماعهم على جواز بيع الفرس الحبيس يعني الموقوفة على الغزو إذا كبرت , فلم تصلح للغزو , وأمكن الانتفاع بها في شيء آخر , مثل أن تدور في الرحى , أو يحمل عليها تراب , أو تكون الرغبة في نتاجها , أو حصانا يتخذ للطراق , فإنه يجوز بيعها , ويشترى بثمنها ما يصلح للغزو . نص عليه أحمد .... .
وقال مالك والشافعي : لا يجوز بيع شيء من ذلك ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يباع أصلها , ولا تبتاع , ولا توهب , ولا تورث " . ولأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه , لا يجوز بيعه مع تعطلها , كالمعتق , والمسجد أشبه الأشياء بالمعتق، ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد , لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة , أن انقل المسجد الذي بالتمارين , واجعل بيت المال في قبلة المسجد, فإنه لن يزال في المسجد مصل . وكان هذا بمشهد من الصحابة , ولم يظهر خلافه , فكان إجماعا . ولأن فيما ذكرناه استبقاء الوقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته , فوجب ذلك. قال ابن عقيل : الوقف مؤبد , فإذا لم يمكن تأبيده على وجه يخصصه استبقاء الغرض , وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى , وإيصال الأبدال جرى مجرى الأعيان , وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض .... . اهـ.
وقال ابن مفلح في الفروع: واعلم أن الوقف حيث أجزنا بيعه وأردنا , فمن يلي بيعه لا يخلو أن يكون على سبيل الخيرات , كالمساجد والقناطر والمدارس والفقراء والمساكين ونحو من ذلك , أو على غير ذلك , فإن كان على سبيل الخيرات فالصحيح من المذهب أن الذي يلي بيعه الحاكم , وعليه أكثر الأصحاب , وقطع به كثير منهم , منهم صاحب الرعاية في كتاب الوقف, والحارثي , والزركشي في كتاب الجهاد , وقال: نص عليه, وغيرهم, وقدمه المصنف وغيره, وقيل يليه الناظر الخاص عليه إن كان. جزم به في الرعاية الكبرى في كتاب البيع قلت وهو قوي وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. اهـ.
والله أعلم.