عنوان الفتوى : المجدد الذي يبعث على رأس المائة هل في بدايتها أم نهايتها
لقد قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لأمتي دينها. فهل هذا يعنى أن المهدى المنتظر لن يظهر إلا على رأس مائة عام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.
قال البيروتي في أسنى المطالب: رواه أبو داود وغيره، وصححه الحاكم وقال الزين العراقي: سنده صحيح. انتهى.
وقال السيوطي رحمه الله في مرقاة الصعود: اتفق الحفاظ على تصحيحه، منهم الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل، وممن نص على صحته من المتأخرين الحافظ ابن حجر. انتهى.
وأما المهدي فقد سبق الحديث عنه بالتفصيل في الفتوى رقم: 6573، وهو يعتبر من المجددين كما قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات بارزة أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة... انتهى.
وقال صاحب المراقي:
حتى يجيء الفاطمي المجدد * دين الهدى لأنه مجتهد
وقد اختلف في معنى رأس المائة المذكور في الحديث هل يراد به بداية المائة أو نهايتها، وهل يعتبر المبدأ من تاريخ المولد النبوي أو البعثة أو الهجرة أو الوفاة.
قال المناوي في فتح القدير: (كل مائة سنة) يحتمل من المولد النبوي أو البعثة أو الهجرة أو الوفاة ولو قيل بأقربية الثاني لم يبعد لكن صنيع السبكي وغيره مصرح بأن المراد الثالث. انتهى.
وقال صاحب عون المعبود: اعلم أن المراد من رأس المائة في هذا الحديث آخرها...
والدليل الواضح على أن المراد برأس المائة هو آخرها لا أولها أن أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة المتقدمين والمتأخرين اتفقوا على أن من المجددين على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وعلى رأس المائة الثانية الإمام الشافعي رحمه الله، وقد توفي عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة ومدة خلافته سنتان ونصف، وتوفي الشافعي سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة... فلو لم يكن المراد من رأس المائة آخرها بل كان المراد أولها لما عدوا عمر بن عبد العزيز من المجددين على رأس المائة الأولى ولا الإمام الشافعي على رأس المائة الثانية لأنه لم يكن ولادة عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى فضلاً عن أن يكون مجدداً عليه، وكذلك لم يكن ولادة الشافعي على رأس المائة الثانية فكيف يصح كونه مجدداً عليه، فإن قلت الظاهر من رأس المائة من حيث اللغة هو أولها لا آخرها فكيف يراد آخرها؟ قلت: كلا بل جاء في اللغة رأس الشيء بمعنى آخره أيضاً، قال في تاج العروس رأس الشيء طرفه وقيل آخره. انتهى.
قلت وعليه حديث ابن عمر أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد. أخرجه الشيخان. فإنه لا مرية في أن المراد من رأس المائة في هذا الحديث هو آخر المائة. انتهى.
وبهذا يعلم أنه لا يبعد ظهور المهدي ولا غيره من المجددين قبل نهاية رأس مائة في القرن الذي يظهر به ثم يتكامل ظهوره عند نهاية رأس المائة كما قال الدكتور الصلابي في كتابه (الدولة الأموية): كلمة (البعث) في الحديث تدل على الإرسال والإظهار، فالمقصود من الحديث أن المجدد من تأتي عليه نهاية القرن وقد ظهرت أعماله التجديدية واشتهر بالصلاح وعم نفعه... انتهى.
والله أعلم.