عنوان الفتوى : من صبر لحكم ربه ورضي بقضائه كان من الفائزين
والله يا شيخ ما أدري من أين أبدأ، أنا بصراحة أحس أني إنسان غير موفق كل شي أحبه لا يحدث حتى الجامعة التي سجلت فيها لم تقبلني في التخصص الذي أريده، أحس أن الناس لا يعاملوني كإنسان كل شي يأتي عكسي حتى العمرة أتمناها وفي اليوم الذي كنت سأذهب فيه حصلت معنا مشكله وذهبت كل فلوسها، يا شيخ عندي ضيق لا يعلمه إلا الله كل الأمور أحتار فيها، صرت إنسانا شكاكا موسوسا حتى في الصلاة رغم أني ولله الحمد أصلي وأقرا القرآن وأقوم من الليل، صحيح أنه كان لدي من الذنوب ولكن يشهد الله أني تبت حتى والله صرت أتمنى الموت وأقول دائما لو لم يحرم الله الانتحار لانتحرت رغم أن حالتنا المادية ولله الحمد جيدة جدا ولكن يا شيخ حتى السواقة صرت أخاف منها، يأتيني إحساس أني لا أقدر أن أفعل شيئا، أحس أني عبء على أهلي، أصلي استخارة ولا أقتنع، والله هذا الذي قدرت أن أكتبه لك الآن رغم أن مشكلتي أكبر من هذا. جزاك الله خيرا أفدني أنا إنسان مقبل على امتحانات مهمة لست قادرا على التركيز، ادع لي بالتوفيق والنجاح وأتمنى أن لا تكتب لي ارجع للفتوى رقم من ضمن الإجابة لأني أحس أن الموضوع يخرج؟ أفدني يا شيخ لأني أحيانا أحس أن هناك شيئا داخلي يريد أن ينطق بأشياء تغضب الله رغم أني مثل ما ذكرت ولله الحمد أصلي أغلب أوقاتي في المسجد وأقرأ القرآن وأنا في مرحلة المفروض أكون في جو هادي. وأسألك يا شيخي الفاضل أن تدعو لي أن يحقق الله ما في بالي ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يهديك ويوفقك ويصرف عنك السوء ويشرح صدرك وييسر أمرك.
واعلم أيها السائل أن الأمور كلها إنما تجري بقضاء الله وقدره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن قضاء الله سبحانه لعبده المؤمن هو الخير والرشاد والسداد ولكن العبد لقلة علمه وفرط جزعه وهلعه يستعجل الأمور ويستبطئ النعمة والفرج وعسى النعمة أن تكون سبب فتنته وهلاكه, فاصبر لحكم ربك وارض بقضائه وقدره تكن - إن شاء الله - من الفائزين.
ونوصيك بتفقد أعمالك وعلاقتك بربك, فقد قال بعض السلف: إن الصالحين إذا فقدوا آمالهم تفقدوا أعمالهم . ذلك أن تعسير الأمور وسد أبواب التيسير إنما هو من ثمرات المعاصي والتقصير في جنب الله سبحانه.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي: ومنها( عقوبات المعاصي ) تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسراً عليه, وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا , فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا , ويالله العجب كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لايعلم من أين أتى. انتهى.
فعلى العبد أن يعلم أن ما أصابه من حرمان وضيق وعسر إنما هو بسبب ذنوبه ومعاصيه, قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.{الشورى: 30}.
والزم التقوى والاستغفار من الذنوب فما استجلبت مصالح الدارين بمثلهما, قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا , وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. {الطلاق: 2 ، 3}.
قال ابن تيمية رحمه الله: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا. قد روي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم . وقوله : ( مخرجا ) عن بعض السلف : أي من كل ما ضاق على الناس. انتهى.
وقال سبحانه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا . {نوح: 10 - 12}.
ثم عليك بالدعاء واللجوء إلى الله سبحانه والتضرع إليه فهو سبحانه كريم لا يرد من قصد بابه.
وقد ذكرت أنك تصلي في المسجد، وتقرأ القرآن وتقوم من الليل، وكل هذا إنما هو بتوفيق من الله تعالى. وذكرت أن حالتكم المادية جيدة جدا. فهذه نعم كثيرة تستدعي منك شكرا واعترافا بها، وشكر النعمة سبب في زيادتها قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ. {إبراهيم:7}.
والله أعلم.