عنوان الفتوى : اللغة التي خاطب بها موسى ابنتي شعيب
جزاكم الله خير الجزاء ونفع بكم الإسلام والمسلمين، و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمشهور أن أهل مدين كانوا عرباً يسكنون مدين وهي قرية من أرض معان على أطراف الشام من جهة الحجاز، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 56981، وأن لغة نبي الله موسى كانت العبرية، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 26715.
ولكن هذا لا يعني أنه عليه السلام ما كان يفهم العربية، فهو قطعاً كان يعرف القبطية لغة أهل مصر، ولا مانع أنه يعرف لغة أخرى ـ سواء العربية أو غيرها ـ فلا بد أنه يعرف اللغة التي استطاع بها أن يخاطب المرأتين وأباهما بعد ذلك، يقول الدكتور مساعد الطيار في مقال له في ـ ملتقى أهل التفسير: مدين قرية عربية، وهي في شمال الجزيرة على الجانب المقابل لمصر، وهذا يعني أن سكانها عرب يتكلمون العربية وقت موسى عليه السلام، والملاحظ أن موسى عليه السلام لم يحتج إلى ترجمان للحديث مع المرأتين، ولا يقال: إن وجود الترجمان محتمل، إذ إن ذلك يلزم منه أن موسى عليه السلام صار يتكلم لغته ويبحث عمن يعرفها ثم ذهب إلى المرأتين ووقع الخطاب، ثم جاءت البنت وكلمت الترجمان، ثم كلم الترجمان موسى عليه السلام إلخ، لا شك أن تصور ذلك وافتراضه غير مرضي، كما أن افتراض أنهم تكلموا بلغة الإشارة والرموز غير وجيه كذلك.
فإذا كان موسى عليه السلام قد كلمهما مباشرة دون ترجمان، فما اللغة المشتركة التي كانوا يتحدثونها، الذي يبدو -ظناً- أنها عربية تلك الزمان، كانت مثل ما هي عليه اليوم لهجات العرب في مصر والجزيرة والشام والعراق، حيث يمكن أن يتخاطب أولئك بلهجاتهم ويفهم بعضهم من بعض، الذي يبدو أن الحال كان كما هو عليه اليوم، وإنما الأمر لا يعدو لهجات يتكلم بها كل أهل منطقة، لا تستغرب ذلك، فهل هناك ما يدل على غيره؟. انتهى.
ويقول د. أحمد شحلان في كتاب ـ لغات الرسل وأصول الرسالات: لقد عاش موسى في مصر أربعين سنة تربى خلالها في بلاط فرعون فتكون لغته الأم هي المصرية، ويمكن أن يكون ملماً بلغة أخرى إلى جانب المصرية كعادة الملوك في تعليم ذويهم عدة لغات، فربما كان ملماً بلغة خاصة بالعبرانيين أو الإسرائيلين، إذن فهناك احتمال غالب أن تكون لغة البلاغ الأصلي للتوراة هي المصرية دون غيرها، باعتبارها اللغة المشتركة بين جميع سكان مصر، أو يحتمل أن تكون لغة التوراة الأصلية هي لغة هؤلاء الذين هاجروا من فلسطين إلى مصر وهم أخلاط، فتأثروا بعادات مصر واكتسبوا لغتها، ثم رجعوا إلى فلسطين يحملون معهم موروثهم الثقافي والفكر الجديد، فكانت لغتهم على أقل تقدير خليطاً من المصرية والكنعانية الحيثية، فتكون هي اللغة التي دونوا بها التوراة نقلاً عن موسى، وإذا كان موسى قد عاش أربعين سنة في مصر ثم رحل إلى مدين وهي قبيلة عربية -أو على الأقل ليست إسرائيلية - ليعيش فيها أربعين سنة أخرى، فإنه بالتأكيد كان قد ألم بلغة هذه القبيلة قبل عودته إلى مصر رسولاً. انتهى.
أما اللغة التي تخاطب بها الأنبياء ليلة الإسراء والمعراج فهذه ليست محل سؤال، فالأمر من أصله معجز، فليس جمعهم للصلاة ولا إسكانهم في السماء بأشد من جمعهم على لغة واحدة، والظاهر أنها كانت العربية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو تحدث بغيرها لأوشك أن يخبر بذلك، على ما للعربية من فضل في ذاتها، كما تقدم بيان ذلك في الفتويين رقم: 28432، ورقم: 25876.
ثم ننبه على أن كون صاحب نبي الله موسى وأبي المرأتين هو شعيب النبي محل خلاف بين أهل العلم، والأظهر أنه ليس هو، وقد رجح ذلك طائفة من المحققين من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير والسعدي وغيرهم، وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 71249، أن نبي الله شعيب عليه السلام كان في الفترة الزمنية الواقعة بين عهد يوسف وعهد موسى عليهم الصلاة والسلام.
والله أعلم.