عنوان الفتوى : التحايل على قوانين الدول الكافرة بدعوى الطلاق من أجل الحصول على المال
نحن نعيش في السويد وهناك كثير من الرجال هنا يطلقون زوجاتهم في المحكمة على الورق دون أن يلفظوا لفظة الطلاق ، وهذا لكي يحصلوا على شقتين وراتبين منفصلين ، ثم يعيشون في بيت واحد ، ويؤجرون البيت الآخر ، فهل يقع الطلاق في هذه الحالة؟ وإذا كان لا يقع فهل يجوز للمسلم أن يعيش ويتحايل على القانون في هذه البلاد بدلاً من أن نظهر لهم أخلاق الإسلام الكريمة وندعوهم إلى الإسلام ؟
الحمد لله
أولاً :
إذا كتب الإنسان الطلاق كتابة مستبينة واضحة ونوى الطلاق ، فإن الطلاق يقع باتفاق الفقهاء رحمهم الله ؛ لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق , فأشبهت النطق ; ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب , بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة , فبلغ بالقول مرة , وبالكتابة أخرى .
وأما إن كتب الطلاق ولم ينو بذلك الطلاق فلا يقع طلاقه عند جمهور العلماء .
قال
ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/504) : " فأما إن كان كتب ذلك من غير نية ,
ففي إحدى الروايتين عن أحمد : يقع ، وهو قول الشعبي , والنخعي , والزهري , والحكم ;
لما ذكرنا .
والثانية : لا يقع إلا بنية ، وهو قول أبي حنيفة , ومالك , ومنصوص الشافعي ; لأن
الكتابة محتملة , فإنه يقصد بها تجربة القلم , وتجويد الخط , وغم الأهل , فلم يقع
من غير نية " انتهى بتصرف .
وانظر: "بدائع الصنائع" (4/239) ، "الشرح الكبير" (2/384) للدردير؛ "مغني المحتاج" (3/284) ؛ "الإنصاف" (22/230) .
فعلى هذا ؛ لا يقع الطلاق بكتابته على الورقة في المحكمة ما دام أنه لم يقصد بذلك الطلاق .
وانظر جواب السؤال رقم (72291) (72860) .
ثانياً :
الواجب على المسلم أينما كان أن يكون أميناً صادقاً في أقواله وأفعاله وتعاملاته وتصرفاته مع الآخرين ، ولو كانوا غير مسلمين ، فلا يجوز له الكذب والغش ، فإن ذلك من كبائر الذنوب ، قال صلّى الله عليه وسلم : (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيِه كَانَ مُنَافِقًا خَاِلصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) رواه البخاري (34) ومسلم (58) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنَ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) مسلم (102) .
والتحايل على النظام بادّعاء الطلاق من أجل الحصول على منفعة مادية من الشقة والراتب ، غِش وكذب وتزوير لا يجوز ، ولو كان في دولة كافرة ، ما دام أنه يقيم في تلك الدولة بأمان رسمي من الدولة .
فما دامت تلك الدولة قد أمَّنته ، وتحميه وتحافظ عليه وعلى أمواله ، فالواجب عليه أن يكون أميناً تجاه تلك الدولة ، فلا يجوز له خيانتها أو غشها .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : "إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان ، فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم ، أو يبلغوا مدة إقامتهم ، وليس لهم ظلمهم أو خيانتهم" انتهى .
"الأم" (4/263) .
فالواجب على من يقيم في بلاد غير المسلمين أن يلتزم شرع الله ويتحلى بآداب الإسلام وأخلاقه الفاضلة ، كي يظهر لغير المسلمين فضل الإسلام وعظمته ، حتى يأخذوا عنه انطباعا حسنا ، لا أن يخالف تعاليم الإسلام ويرتكب ما نهى عنه ، فيسيء بذلك إلى نفسه والإسلام .
والله أعلم .