عنوان الفتوى : رأت جدَّها القدوة الحسنة لها في موقف مشين مع الخادمة ، فماذا تصنع ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا فتاة أبلغ من العمر 16 عاماً ، ورأيت موقفاً من شخص كان لا يماثله أحد في نصحه ، وفي توجيهه ، كان قمة في الأخلاق ، يغبطه الجميع بعلمه ، وحكمته ، هذا الشخص هو جدي ، والذي يبلغ من العمر70 عاماً ، رأيته في وضع مزرٍ مع خادمته ، بحيث لا أعلم كيف أصف لك ما رأيت ، بل أصابني الذهول ، وانصدمت ، ولم أتمالك أعصابي ، تمنيت أن أموت ولم أر هذا الموقف ، وكان الموقف الذي رأيته قد حصل تكراراً بينهم ، والسؤال : ماذا أعمل ؟ وماذا أفعل ؟ فأنا أرحم جدتي التي هي زوجته ، فهي إنسانة رائعة ، وزوجة مخلصة ، وأخاف عليها ، فهي مريضة ، فأنا في تفكير مستمر ، وهم دائم لا أهنأ بأكل ، ولا شرب ، ولا نوم ، هل ما رأيته حلال أم حرام أم سحر ؟ ولمن أبوح لهذا السر الخطير ؟ مع العلم أن معاملته مع الخدم رائعة ، فهو يلبي لهم جميع طلباتهم ، لا يقصر أبداً . أريد حلاًّ عاجلاً ، أرجوك ، فأنا لم أذق من يومها طعماً للراحة أبداً . وجزاك الله خيراً .

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

الحمد لله

أولاً:

ليُعلم أن ما فعله جدُّك هو من قبائح الذنوب ، وأيّاً ما وصل إليه من درجات في علاقته الجنسية مع تلك الخادمة : فإنه يعدُّ منكراً مغلَّظاً ، ويستوجب إثماً أشد من إثم غيره ؛ وذلك لكونه شيخاً كبيراً ، بل وله زوجة ! وقد جاء في الشرع المطهَّر ما يؤكد هذا المعنى ويوضحه ، وهو أنه حيث تقل دواعي المعصية من فاعلها : فإنه يزداد إثماً إذا تجرأ عليها وفعلها .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ) .

رواه مسلم ( 107 ) .

قال النووي – رحمه الله - :

وأما تخصيصه صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى " الشيخ الزاني ، والملِك الكذاب ، والعائل المستكبر " بالوعيد المذكور : فقال القاضي عياض : سببه : أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بُعدها منه ، وعدم ضرورته إليها ، وضعف دواعيها عنده ، وإن كان لا يُعذر أحدٌ بذنب ، لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة ، ولا دواعي معتادة : أشبه أقدامهم عليها المعاندة ، والاستخفاف بحق الله تعالى ، وقصد معصيته ، لا لحاجة غيرها ؛ فان الشيخ لكمال عقله ، وتمام معرفته بطول ما مرَّ عليه من الزمان ، وضعف أسباب الجماع ، والشهوة للنساء ، واختلال دواعيه لذلك عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا ، ويخلي سرَّه منه ، فكيف بالزنى الحرام ؟! وإنما دواعي ذلك : الشباب ، والحرارة الغريزية ، وقلة المعرفة ، وغلبة الشهوة ؛ لضعف العقل ، وصغر السن ... .

" شرح مسلم " ( 2 / 117 ) .

وقال المناوي – رحمه الله - :

ولهذا قيل : مَن لم يرعوِ عند الشيب ، ولم يستح من العيب ، ولم يخش الله في الغيب : فليس لله فيه حاجة ، شيبٌ ، وعيبٌ .

" فيض القدير " ( 3 / 437 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

فهؤلاء الثلاثة اشتركوا في هذا الوعيد ، واشتركوا في فعل هذه الذنوب مع ضعف دواعيهم ؛ فإن داعية الزنا في الشيخ ضعيفة ، وكذلك داعية الكذب في الملك ضعيفة ؛ لاستغنائه عنه ، وكذلك داعية الكبر في الفقير ، فإذا أتوا بهذه الذنوب مع ضعف الداعي : دلَّ على أن في نفوسهم من الشر الذي يستحقون به من الوعيد ما لا يستحقه غيرهم .

وقلَّ أن يشتمل الحديث الواحد على جُمَل إلا لتناسب بينهما ، وإن كان قد يخفى التناسب في بعضها على بعض الناس ، فالكلام المتصل بعضه ببعض يسمَّى حديثاً واحداً .

" مجموع الفتاوى " ( 18 / 14 ) .

ثانياً:

من الواجب عليكِ الآن وقد رأيتِ من جدك معصية منكرة :

1. أن تنصحي جدكِ ، وتعِظيه ، وتخوفيه بالله رب العالمين ، وتذكريه بوجوب حفظ نفسه ، وخشية العار في الدنيا والآخرة ، وهذا هو واجب شرعي عليكِ ، لا يسعك تركه والتخلي عنه ، ولتدَعي الذهول ، والصدمة ، وتمني الموت ، فهذا لا تنتفعين به أنتِ ، ولا يستفيد منه جدُّك ، بل عليك المبادرة بفعل ما ذكرناه لك تجاهه ، بل عليك السعي في إقناعه بإخراج هذه الخادمة من البيت ، ونقلها لعمل آخر ، أو ردها إلى أهلها ، لينقطع عنه دابر الفتنة والفساد .

عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ) . رواه مسلم ( 55 ) .

وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ . رواه البخاري ( 501 ) ومسلم ( 56 ) .

2. والأمر نفسه تفعلينه مع الخادمة ، مع تهديدها بإخبار أهلك عنها ، وطردها من البيت ، فلعلها هي من تغوي ذلك الشيخ الكبير .

3. ومن مهماتك أيضاً : الانتباه لعدم وقوع خلوة في البيت بينه وبينها ، والحيلولة دون حصوله بما تملكينه من قدرة .

4. ويجب عليك الستر على جدك والخادمة ، وإعطاؤهما فرصة للتوبة ، والإنابة ؛ فإن الله تعالى يحب الستر .

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ... ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . رواه البخاري ( 2310 ) ومسلم ( 2580 ) .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . رواه مسلم ( 2590 ) .

قال النووي – رحمه الله - :

قال القاضي : يحتمل وجهين : أحدهما : أن يستر معاصيه ، وعيوبه عن اذاعتها في أهل الموقف ، والثاني : ترك محاسبته عليها ، وترك ذِكرها .

قال : والأول أظهر ؛ لما جاء في الحديث الآخر ( يقرره بذنوبه يقول : سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ) .

" شرح مسلم " ( 16 / 143 ) .

فإن أصرَّ على فعل المعصية ، ولم يرعو بالنصح والتذكير : فبإمكانك أن تخبري جدتك فقط بفعله ؛ أو إن كان له أحد من أبنائه ، بإمكانه أن يؤثر عليه ، ويمنع ذلك المنكر ، والدك ـ مثلا ـ أو أحد أعمامك ؛ فهو أفضل . والمهم ـ على كل حال ـ هو ردعه عن اكتساب الإثم .

ثالثاً:

ونحن نشكر لك غيرتك على حرمات الله أن تنتهك ، ونشكر لك حب الخير لأهلك أن لا يأتي واحد منهم ما يُغضب ربه تعالى ، ولعل هذه الحادثة أن تكون خيراً لجدك ؛ وذلك بأن يُحدث توبة صادقة ، وأن ينتبه لنفسه ، وسنِّه ، فيزداد من فعل الخيرات ، وأداء الطاعات ، وليس الأمر سحراً ، ولا تخييلاً ، إنما هي شهوة يؤججها فيه الشيطان ، ولعل مرض زوجته مما أثَّر في إقباله على ذلك المنكر ، وفي مثل هذا السن نرجو أن يكون للنصيحة والموعظة أثرهما البالغيْن عليه ، ولعله يستحيي منكِ وهو القدوة الحسنة .

وانظري جواب السؤال رقم : ( 111911 ) .

والله أعلم