عنوان الفتوى : التعزير من اختصاص ولي الأمر أو نائبه
لي صديق طلق زوجته فى حيض ثم راجعها، ثم طلقها فى طهر، ثم راجعها. فاستفتيت أحد المشايخ فأخذ منه فى الطلقة الأولى مائة جنيه، وفى الطلقة الثانية خمسمائة جنيه. ليخرجهم للفقراء على سبيل التعزير. فأرجو الرد مع بيان مواضع التعزير؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان صديقك قد طلق زوجته -وهي حائض أو بعد طهر جامعها فيه- نسياناً أو خطأ فلا إثم عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.
وإن كان متعمداً طلاقها حائضاً أو بعد طهر جامعها فيه، فإن ذلك طلاق بدعي محرم فليستغفر الله تعالى وليتب إليه ولا كفارة عليه غير ذلك.
قال ابن قدامة في المغني: وأما المحظور، فالطلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة، لأن المطلق خالف السنة، وترك أمر الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ. انتهى.
وطلاقه في الحالتين نافذ عند جمهور أهل العلم بمن فيهم المذاهب الأربعة خلافاً لشيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 110547.
وما قام به الشيخ المذكور من أخذ نقود من صديقك لا دليل على مشروعيته لأمرين:
أولهما: أن صديقك لم تجب عليه كفارة عما ارتكبه كما ذكرنا.
ثانيهما: أنه إذا كان يريد به تعزيره فالتعزير من اختصاص ولي الأمر أو نائبه ولا يشرع لغيرهم من الناس. ومواضع التعزير ليست مخصوصة بمخالفات معينة بل تشمل كل من ارتكب معصية لله تعالى لا يلزم فيها حد شرعي ولا كفارة، فيعزره الإمام أو نائبه بحسب المصلحة عقوبة له وردعاً لغيره عن المعاصي والمنكرات.
قال الإمام السبكي في الأشباه والنظائر: قاعدة: من أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة عزر، كذا قال صاحب التنبيه وتبعه الرافعي والنووي وغيرهما. انتهى.
وفي شرح الخرشي على مختصر خليل المالكي: والمعنى أن الإمام يعزر لمعصية الله تعالى كالأكل في رمضان لغير عذر، أو لحق آدمي كشتم آخر، أو ضربه، أو أذاه بوجه، والتعازير يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام باعتبار القائل، والمقول له، والمقول. انتهى.
ولصديقك إن شاء استرجاع المبلغ من الشيخ الذي أخذه منه، ويجب على ذلك الشيخ أن يرد المال لصاحبه لما في أخذه من أكل أموال الناس بالباطل، ولأن مال المسلم لا يجوز أخذه بغير طيب نفس منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. رواه الإمام مسلم وغيره.
والله أعلم.