عنوان الفتوى : ضابط المشقة المبيحة للفطر
أبى يأخذ علاجا لمرض متعلق بإفرازات وكيماويات المخ منذ 15 سنة أوأكثر، وهي عبارة عن حقنة شهرية وأقراص وسيستمر عليها مدى الحياة، وهو منذ زمان يعانى وهو لا يستطيع الصوم فى رمضان بسبب أنه إذا صام يشعر أنه يريد النوم بشدة، و طبعا لا يستطيع العمل بالنهار إذ أنه يعمل محاسبا فى شركة ولايستطيع أن يأخذ إجازة طوال شهر رمضان، فكان يفطر تقريبا شهر رمضان بأكمله ـ إلا قليلا ـ و يخرج الكفارة, و كان هناك طبيب ممن كان يتعالج عنده رخص له في الإفطار وقال له إنه مسؤول عنه أمام الله, ثم بعد سنين ذهب الى طبيب آخر مشهور وهو: أحمد عكاشة ـ و فى إحدى الاستشارات قال له: عليك أن تصوم، فأمره بالصيام وهو فى حيرة شديدة و حالة نفسية سيئة إذ أنه لا يدرى يأخذ برأى من وحتى لو أخذ برأى من قال له صُم، فإنه لن يستطيع، لأنه متعود أن يشرب قهوة فى الصباح ليفيق وبدونها ينام ـ على نفسه ـ وهو يسأل: هل المشقة الشديدة ـ حسب قوله ـ تبيح له الإفطار؟ و يدفع الكفارة ـ حتى و لو كانت الأدوية التى يأخذها لا تأثير لها على القدرة على الصيام ـ لكنه فعلاً لا يستطيع الصوم، أم ماذا؟أرجو أن توضحوا لي، لأن أبى تعبان جداً
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبه أولا إلى أن تعمد الفطر في رمضان من غيرعذر يبيح ذلك من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب ـ والعياذ بالله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى: من أفطر عامداً بغير عذر كان تفويته له من الكبائر.
. وقال الحافظ الذهبي ـ رحمه الله تعالى: وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا عذر أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال. انتهى،
وعن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قالا: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. رواه ابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني.
إذا تبين هذا فالواجب على هذا الرجل أن يتقي الله عز وجل وأن يعلم أنه تعالى رقيب على أفعال العبد، وما ذكرته من الحاجة إلى شرب فنجان القهوة ليس عذرا يبيح الفطر في رمضان والإقدام على هذه الكبيرة، وأما شعوره بالحاجة إلى النوم فلا يحتاج إلا إلى قليل من المجاهدة مع الاستعانة بالله ـ عز وجل ـ حتى يندفع عنه ذلك، والمرء وما عود نفسه، فمن عودها الخيراعتادته ومن عودها الشراعتادته.
ومن أعظم حكم الصوم أنه يربي النفس على قطع العادات ونبذ التعلق بالمألوفات، فعلى هذا الرجل أن يصبر نفسه لله ـ عز وجل ـ وأن لا يعرض نفسه لسخطه وعقوبته وأن يتوب إلى الله تعالى إن كان أقدم فيما مضى على الفطر من غير عذر وأن يقضي تلك الأيام التي أفطرها، فإنها دين في ذمته لا بد له من قضائها ما دام قادرا على القضاء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه.
وأما إن كان هذا الرجل عاجزا عن الصيام لمرض يشق عليه الصوم معه -وهذا غير ظاهر- فإن كان مرضه ممّا يرجى برؤه، فعليه القضاء متى قدرعليه ولا يجزئه الإطعام، لقوله تعالى: وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ {البقرة 185}.
وإن كان مرضه ممّا لا يرجى برؤه فعليه إطعام مسكين عن كل يوم مدا من طعام، وقدر المد 750 جراما تقريبا، وذلك لقوله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين {البقرة 184}.
وإذا اختلفت أقوال الأطباء، فإنه يقلد الأكثر خبرة ودينا وورعا، هذا وقد بينا أحكام المريض من حيث الصيام والفطر في الفتوى رقم: 5978 ، وبينا متى يجوز الفطر إذا لحقت الصائم مشقة، وانظر لذلك الفتوى رقم 112717.
والله أعلم.