عنوان الفتوى : زنى بكافرة ثم تزوج بها فما حكم زواجه ، فماذا يصنع ؟
ارتكب أحد الأشخاص جريمة الزنا مع فتاة كافرة , والآن هو مرتبط بها , وهذه الفتاة لم تسلم بعد , فهل يعد هذا الرجل منافقاً لأنه ينتمي لعائلة مسلمة وزوجته غير مسلمة ؟
الحمد لله
الزنا من كبائر الذنوب ، وقد توعد الله فاعله بالعذاب الأليم ، فوجب على من اقترف هذا الذنب أن يتوب منه توبة نصوحاً ، وأن يعلم أن الله تعالى يفرح بتوبته مع غناه عنه .
فعلى ذلك الشخص أن يتوب من ذنبه ، وأن يندم عليه أشد الندم ، وأن يعزم على عدم الرجوع له .
وما فعله من التزوج بمن زنى بها : فإن لم يكن قد تاب من فعله ذاك ، ولم يرتفع اسم " الزانية " عن تلك المرأة الكافرة : فلا يصح نكاحه لها ؛ لأن الله تعالى حرَّم التزوج بغير العفيفة من الكافرات ، حتى لو إنه تاب وأناب ، فكيف وظاهر الأمر أنه لم يتب ؟! ، قال تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) المائدة/ 5 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فقيل : أراد بالمحصنات : الحرائر دون الإماء ، حكاه ابن جرير عن مجاهد ، وإنما قال مجاهد : المحصنات : الحرائر ، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه ، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة : العفيفة ، كما قاله مجاهد في الرواية الأخرى عنه ، وهو قول الجمهور هاهنا ، وهو الأشبه ؛ لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : ( حشَفاً ، وسوء كِيلة ) . [ وهو مثل يضرب لمن جمع بين أمرين مكروهين ] .
والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات : العفيفات عن الزنا ، كما قال في الآية الأخرى : ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) النساء/ 25 .
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 42 ) .
وليس هذا الحكم خاصّاً بالكافرة من الكتابيات ، بل ويشمل كذلك المسلمة إن كانت زانية .
وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية عدم مخالفة قول من قال إن لفظ " المحصنات " هنا هو الحرائر لكونهن عفيفات ؛ لتضمن الإحصان معنى العفة ، وقال في آخر بحثه :
" وإذا كان الله إنما أباح من المسلمين ، وأهل الكتاب نكاح المحصنات ، " والبغايا " لسن محصنات : فلم يُبح الله نكاحهن .
انظر " مجموع الفتاوى " ( 32 / 121 ، 122 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
وأما الفاجرات غير العفيفات عن الزنا : فلا يباح نكاحهن ، سواء كن مسلمات ، أو كتابيات ، حتى يتُبن ؛ لقوله تعالى : ( الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) الآية .
" تفسير السعدي " ( ص 221 ) .
وانظر أجوبة الأسئلة : (85335) و ( 96460 ) و ( 104492 ) .
فالواجب على ذلك المسلم فسخ النكاح ، والابتعاد عن تلك المرأة ، حتى يتوبا من فعليهما ، فإن تابا : فيمكنهما التزوج بالشروط الشرعية للزواج .
ومع هذا فإننا لا ننصحه- إن فسخ عقده وتاب – بالتزوج من تلك المرأة ، ولو تابت .
ولا يجوز لمن تزوج كتابية أن يرغمها على الدخول في الإسلام ، ولا يعد منافقاً من تزوج بكتابية بقيت على دينها ، فهو أمر مباح له .
وقد ذكرنا هذا وبيَّنا - بتفصيل - مفاسد الزواج من الكتابيات ، وذلك في جواب السؤال رقم ( 20227 ) فانظره ، فهو مهم .
والله أعلم