عنوان الفتوى : الجنة طيبة فلا يدخلها إلا الطيبون ولا يشتهون فيها إلا الطيبات
إني شاب أعيش أغلب الوقت وحيدا، عندي أصدقاء، ولكن لا أرتاح لهم، وأيضا هم أصدقاء سوء أهل معاص وفسق، وسؤالي هو: هل إذا دخلت الجنة واشتهيت أصدقاء على صور معينة في الجمال والخلقة هل يتحقق لي ذلك؟ وأيضا هناك من أهل العلم من يقول إن الجنة لا يوجد بها لواط والله يقول في ما معنى كلامه أني إذا دخلت الجنة فإن أي شيء أريده يتحقق لي. فهل إذا اشتهيت اللواط يتحقق فإن كلام الله واضح ثم كلامي واضح. أرجو الجواب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية نوافق السائل الكريم على عدم ارتياحه لأصدقاء السوء من أهل الفسوق والعصيان، ونوصيه بالبعد عنهم تماما، فإن في مخالطتهم من الضرر والفتنة ما يجب التحرز منه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة. متفق عليه.
والله تعالى قد خلق الإنسان مدنياً بطبعه، يميل لمخالطة الناس ومجالستهم، ويتأثر بهم ويؤثر فيهم، فالطبع لص والصاحب ساحب، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى في اختيار الصحبة، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. وقال أيضا: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني.
ونوافق السائل أيضا على أن من يدخل الجنة ينال فيها ما يتمنى، ويعطى فيها ما يشاء، ويجد فيها ما يشتهي، فلن يشاء فيها شيئا إلا أعطيه، كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ. {النحل:31}. وقال سبحانه: فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. {الزخرف: 71}. وقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
وأَتَى رجل للنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ، أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ ، لَهُ جَنَاحَانِ فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طَارَ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ. رواه الترمذي، وحسنه الألباني بشواهده.
حتى إن من تصيبه النار من عصاة الموحدين ثم يؤذن له بعد ذلك بالخروج منها ودخول الجنة، عندها يقول الله عز وجل له: تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ كَذَا وَكَذَا ـ أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ ـ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. رواه الشيخان.
واعلم أن أهل الجنة لن يتمنوا اللواط ولن يطلبوه، لأنهم قد نُقُّوا وهُذِّبوا، وطابت قلوبهم وسلمت صدورهم وحسنت أخلاقهم، فهم مطهرون بالكلية. وإن كان أحدهم قد ابتلي في الدنيا بمثل هذا الميل الشاذ، فجاهد نفسه وعف عن الحرام فجازاه الله بالجنة، فإنه يُنزع من قلبه هذا المرض تهذيبا وتطييبا، قال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ. (الزمر:73).
قال السعدي: طِبْتُمْ. أي: طابت قلوبكم بمعرفة اللّه ومحبته وخشيته، وألسنتكم بذكره، وجوارحكم بطاعته-فـ- بسبب طيبكم- ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ. [ ص 731 ] لأنها الدار الطيبة، ولا يليق بها إلا الطيبون. اهـ.
وقال سبحانه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ. {الأعراف: 43}. وقال عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ. {الحجر:47}.
ولا إشكال في أن أماني العبد ورغباته تختلف من وقت لآخر ومن حال لحال، فما يتمناه المرء الآن قد لا يكون هو أمنيته في الجنة إن دخلها، وما تقر به عينه وتشتهيه نفسه الآن قد يكون بعكس ما تقر به عينه وتشتهيه نفسه هنالك، فهذه الدار تختلف عن تلك الدار جملة وتفصيلا.
فإذا عُلم هذا عُلم أن العبد ينبغي أن يكون اهتمامه بدخول الجنة وعلو درجته فيها، فبهذا ينشغل قلبه ويلهج لسانه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة .. . رواه البخاري.
فإذا حصل له ذلك فقد فاز بالخير كله بحذافيره، ولا ينبغي أن يحجر العبد على نفسه ويتكلف ما لا علم له به، وعليه أن يحقق الإيمان بالله تعالى وما يقتضيه ذلك من اعتقاد وقول وعمل، ثم يسأل الله الفردوس الأعلى من الجنة، ولا يتكلف ما وراء ذلك. وراجع الفتويين: 75647، 58080.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 103498أن أهل العلم ذكروا أن أهل الجنة مطهرون من الأخلاق السيئة، فما استجد عند الناس مما زينه لهم الشيطان مما تأباه الفطر السليمة والأذواق الرفيعة من الإتيان في غير الحرث ومن اللواط لا يكون عند أهل الجنة، فهم مستغنون بما وفر الله لهم من أسباب المتعة.
والله أعلم.