عنوان الفتوى : هل يلزم المرأة كفارة عند جماع زوجها لها في نهار رمضان
أرملة متوفى زوجي منذ خمس سنوات، وقاربت على الخمسين عاما، في فترة الشباب حدث الجماع في شهر رمضان، وبعد أن من الله علينا بالتوبة وقبل خمس عشرة عاما من الآن صمت شهرين متتابعين كفارة ذلك، ولكن أنا متأكدة أنه أكثر من مرة في شهر رمضان لكن نسيت ذلك، والآن سمعت من أحد الشيوخ أنه لا بد عن كل يوم كفارة شهرين، وأنا غير متأكدة من عدد الأيام، وسني يصعب عليه ذلك، ولكن ليس مستحيلا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد لله الذي من عليك بالتوبة، ونسأله تعالى أن يرحم زوجك وأن يغفر لك وله.
أما عن مسألتك، فاعلمي أولا أن العلماء اختلفوا في المرأة إذا كانت مطاوعة على الجماع في نهار رمضان هل تلزمها الكفارة أولا؟ على قولين، والصحيح عند الشافعية وهو رواية عند الحنابلة أن الكفارة تلزم الرجل فقط ولا تلزم المرأة.
قال النووي رحمه الله: قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا أنه لا يجب علي المرأة كفارة أخرى، وبه قال أحمد، وقال مالك وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر: عليها كفارة أخرى، وهي رواية عن أحمد.
وقال ابن قدامة في المغني مبينا مأخذ القولين: ويفسد صوم المرأة بالجماع بغير خلاف نعلمه في المذهب لأنه نوع من المفطرات فاستوى فيه الرجل والمرأة كالأكل وهل يلزمها الكفارة ؟ على روايتين: إحداهما يلزمها وهو اختيار أبي بكر وقول مالك و أبي حنيفة، و أبي ثور، و ابن المنذر ولأنها هتكت صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها الكفارة كالرجل، الثانية: لا كفارة عليها قال أبو داود: سئل أحمد من أتى أهله في رمضان أعليها كفارة ؟ قال: ما سمعنا أن على امرأة كفارة وهذا قول الحسن، وللشافعي قولان كالروايتين، ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ولم يأمر في المرأة بشيء مع علمه بوجود ذلك منها ولأنه حق مال يتعلق بالوطء فكان على الرجل كالمهر. انتهى. بتصرف يسير.
وقد رجحنا القول بأن الكفارة إنما تلزم الرجل فقط في الفتوى رقم 1113.
وعلى هذا القول فليس عليك إلا قضاء هذه الأيام التي أفطرتها، فإذا عجزت عن معرفتها بيقين فاعملي بالتحري، واقضي من الأيام ما يحصل لك به اليقين أو غلبة الظن ببراءة ذمتك، فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها. وعلى القول الثاني وهو لزوم الكفارة للمرأة ولا شك في أنه أحوط، فعليك عن كل يوم أفطرته بالجماع كفارة، ويرى الحنابلة أن الكفارات تتداخل في هذه الصورة فيكفي عن جميع الأيام كفارة واحدة، والقول الأول هو الراجح كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 6733.
وعليه فإن كنت عاجزة عن الوصول إلى اليقين في معرفة عدد هذه الأيام فتحري واعملي بما يغلب على ظنك فإن هذا هو ما تقدرين عليه وقد قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. {التغابن: 16.}. ثم تكفرين عن كل يوم من هذه الأيام بصيام شهرين متتابعين، فإن عجزت عن الصيام فإنك تنتقلين إلى الإطعام فتطعمين عن كل يوم ستين مسكينا لكل مسكين مد من طعام والمد هو 750 جراما تقريبا، وكذا زوجك رحمه الله يلزم أن يطعم عنه من تركته ستون مسكينا لكل يوم تعمد إفساده بالجماع، فإن هذه الكفارة دين عليه لا تبرأ ذمته إلا بأدائه عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه. ويجوز أن تصام عنه تلك الكفارة لقوله صلى الله عليه وسلم: من مات وعليه صوم صام عنه وليه. متفق عليه. لكن لا بد من أن يتولى واحد من أوليائه صيام الشهرين المتتابعين ولا يجوز أن تفرق أيام الكفارة الواحدة على الأولياء.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هل يلزم إذا قلنا بالقول الراجح إن الصوم يشمل الواجب بأصل الشرع، والواجب بالنذر أن يقتصر ذلك على واحد من الورثة ؛ لأن الصوم واجب على واحد ؟ الجواب: لا يلزم ؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: صام عنه وليه. مفرد مضاف فيعم كل ولي وارث، فلو قدر أن الرجل له خمسة عشر ابنا، وأراد كل واحد منهم أن يصوم يومين عن ثلاثين يوما فيجزئ. ولو كانوا ثلاثين وارثا وصاموا كلهم يوما واحدا فيجزئ لأنهم صاموا ثلاثين يوما، ولا فرق بين أن يصوموها في يوم واحد أو إذا صام واحد صام الثاني اليوم الذي بعده، حتى يتموا ثلاثين يوما.أما في كفارة الظهار ونحوها فلا يمكن أن يقتسم الورثة الصوم لاشتراط التتابع، ولأن كل واحد منهم لم يصم شهرين متتابعين. وقد يقول قائل: يمكن بأن يصوم واحد ثلاثة أيام، وإذا أفطر صام الثاني ثلاثة أيام وهلم جرا حتى تتم ؟ فيجاب بأنه لا يصدق على واحد منهم أنه صام شهرين متتابعين، وعليه فنقول: إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين، فإما أن ينتدب له واحد من الورثة ويصومها، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكينا.
والله أعلم.