عنوان الفتوى : تعسر بعض الأمور لا يعني بالضرورة أن الله لا يريد إتمامها
عندما أنوي القيام بشيء ما كشراء سلعة أو تقديم لوظيفة، أو شيء حياتي تحدث عوائق تمنعني من إنجازه أو تؤخرني. على سبيل المثال عندما قررت شراء تذكرة طيران وفكرت في الإبكار لتكون رخيصة السعر، بعدها وأثناء هذا كان الإنترنت تحدث به مشاكل أو يحدث خطأ ما في إتمام الأمر. ومنها أيضا أثناء تقديمي للعمل الحالي الذي أنا به كنت أعمل سابقا مهندس كمبيوتر في شركة كمبيوتر كبيرة، وجاء عرض لي في القطاع الحكومي لكن كمدخل بيانات بالإضافة لعملي مهندس كمبيوتر بشكل إضافي، وتقدمت للعمل وكلما ذهبت لإتمام معاملات التقدم من كشف طبي وما إلى ذلك كانت تحدث أشياء تؤخرني عن إنجازه حتى تأخرت في التعيين ما يزيد عن شهر عن دفعتي بالعمل، وحاليا مازلت موجودا به ولكن بدون عملي كمهندس فعلي، فالكمبيوتر مع علمي ويقيني أنه لو علمت الغيب لاخترت الواقع لأن إرادة الله تفوق كل شيء وما يريده الله لي هو الخير حتى لو بدا بغير ذلك بالنظرة البشرية القاصرة، ولكن في نفس الوقت كنت أقول لنفسي إن العوائق الحالية السابقة كانت علامة من الله على أن هذا الأمر كان يجب أن أقدم عليه، فأنا نفسيا لست مرتاحا تماما بالعمل فأنا أعمل بقطاع حكومي وليس في مجال عملي، لكني اضطررت للعمل به لوجود مضايقات بعملي السابق من مديري بالإضافة للعرض المادي وضعف الراتب في شركتي السابقة وهو أحد المضايقات والاستقرار من خلال الإقامة لأني أعمل بالخليج والإقامة ونقلها من شركة لأخرى من أحد الأمور التي تؤرق المغترب هناك بدون التطرق خارج صلب الموضوع. هل الاعتماد على أن العوائق التي تحدث لي في حياتي تعتبر علامة من الله بعدم إتمام هذا الأمر نظرة صحيحة ومن الإسلام أم لا؟ أرجو أن تفسروه لي لأني متخبط في هذا الأمر بالذات وما الذي يجب أن أفعله حيال ذلك بالذات؟ مثلا مع الاستخارة والتوكل على الله عندما تحدث موانع معينة هل هذا العائق علامة من الله بعدم إتمام الأمر؟ ولكم جزيل الشكر. ملحوظة: أرجو من سيادة الشيخ أن يقرأ كلامي لآخره ويجيب عليه بالتفصيل بدون ألفاظ لغوية فصحى يصعب إداركها، مع العلم أن المثال السابق ذكره هو لتوضيح وجهة نظري لا لشيء آخر حتى لا يتكرر الرد بأني أطيل بدون داع. ولكم جزيل الشكر وأفادنا وأفادكم الله بعلمه. وأعتذر عن الإطالة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمؤمن مطالب بالأخذ بالأسباب المشروعة والمباحة مع التوكل على الله وتفويض الأمر إليه، والحرص على ما ينفعه، ثم إذا لم يوفق بعد ذلك في أمر من الأمور كالتي ذكرتها مثلا، فلا يتأسف أو يتحسر على ما فات بل يؤمن بقضاء الله وقدره ويقول: قدر الله وما شاء فعل. وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.
ويحدث في أحيان كثيرة أن تتعلق النفس بأشياء وقد لا يكون الخير فيها، فيصرفها الله برحمته وحسن تدبيره للعبد، وبعض الناس لقصر نظرهم لا يشعرون أن النعمة في المنع أحيانا تكون أعظم مما تكون في العطاء، وقد قال سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {البقرة: 216}.
قال الشيخ ابن سعدي في تفسير الآية: الغالب على العبد المؤمن، أنه إذا أحب أمرا من الأمور، فقيض الله له من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له، فالأوفق له في ذلك، أن يشكر الله، ويجعل الخير في الواقع، لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه، وأقدر على مصلحة عبده منه، وأعلم بمصلحته منه كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره، سواء سرتكم أو ساءتكم. انتهى.
ثم المؤمن كذلك يعلم أنه مهما أخذ بالأسباب وبالغ في الجهد فهناك قدر مكتوب، كما قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. {الحديد:22}.
و نحن نأخذ بالأسباب مع التوكل على الله؛ لأن ذلك هو واجبنا، فأما ما جرت به المقادير مما هو مكتوب لنا فهذا غيب لا نعلمه إلا بعد وقوعه، وعندها يجب الصبر على القضاء، وهو ما أشار إليه الحديث السابق في قوله صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ.
وأما وجود العوائق فلا يعني بالضرورة أن هذا علامة من الله بعدم إتمام الأمر، بل عليك بالتوكل على الله والسعي وتسليم الأمر إلى الله، فإذا لم يحدث هذا الأمر لك فحينها تعلم أنه ليس مقدرا لك حصوله.
ومع الصبر ينبغي ألا نستحضر المشاكل التي حدثت لنا جملة واحدة، ونفكر فيها إلا إذا كنا نفكر فيها للاعتبار ومعرفة وجه تقصيرنا حتى نتعلم ونتدارك ذلك في المستقبل، وأما استحضارها للتأسف والقيل والقال وقول لو على وجه الحسرة، فهذا لا يصلح شيئا مما حدث، بل يفعل كما أخبر صلى الله عليه وسلم بقوله: فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. ولا تغفل أهم الأسباب وهو التوكل على الله، مع الدعاء، والجد والاجتهاد، وراجع الفتوى رقم: 108246. وما أحيل عليه فيها، ففيها مزيد بيان.
وأما عن صلاة الاستخارة فهي مستحبة، وقد بينا ذلك مع بيان كيفية صلاتها في الفتوى رقم: 971. فراجعها. وراجع الفتوى رقم: 32377. فقد بينا فيها أن من استخار الله فلن يلقى إلا خيرا بإذن الله.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق إلى كل خير.
والله أعلم.