عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في من ترك السورة بعد الفاتحة عمداً أو سهوا
يا شيخ، أثناء قراءة السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين، أو عند الركوع، أو أثناء باقي الصلاة. لا أتذكر هل قرأت الفاتحة أم لا؟ ليس شكا أو وسوسة أنا لا أتذكر فأعيد قراءة الفاتحة والسورة، أو أزيد ركعة وألغي التي لم أتذكر قراءة الفاتحة بها، أو أعيد الصلاة مما ترتب عليه حرج ومشقة. فسألت فضيلتك منذ عدة سنوات هل تصح الصلاة فقط بالفاتحة فقلت لي نعم، المذاهب الأربعة قالوا ذلك حتى أني أتذكر أنك قلت لي ماعدا شيخ واحد اسمه .. الطيب خالفهم. فأخذت بالقول أن المذاهب الأربعة قالوا السورة تركها لا يلزم منه شيء وصليت والحمد لله بالفاتحة فقط مما حل هذه المشكلة لأن كل ركعة أقرأ الفاتحة فقط، وأصبحت لا أعيد القراءة ولا أعيد الصلاة ولا أشك ولا أجد الحرج السابق والحمد لله. أخيرا كنت أشاهد برنامجا عن الصلاة في التلفزيون وكان المحاضر شيخ موثوق في علمه مالكي المذهب فقال: من نسي قراءة السورة وجب عليه سجود السهو وإلا بطلت الصلاة، فانتابني الشك في صلوات هذه السنوات حيث إني تركت السورة عمدا .هل صلواتي باطلة أم ماذا علي الآن؟ وهل يجب علي إعادتها؟ وفى المستقبل إن شاء الله أرجع مرة أخرى لمشكلة عدم تذكري قراءة الفاتحة وأعيد القراءة والصلاة وزيادة ركعات أم أكتفي بالفاتحة من باب التيسير؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمذهب جماهير العلماء أن القراءة بعد الفاتحة سنة، لا تبطل الصلاة بتركها، لا عمداً ولا سهواً.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: ولا خلاف في استحباب قراءة السورة مع الفاتحة في صلاة الصبح والجمعة والأوليين من كل الصلوات. قال النووي: إن ذلك سنة عند جميع العلماء، وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة. قال النووي: وهو شاذ مردود. انتهى.
و قال ابن قدامة: لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أنه يسن قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة. انتهى.
وعليه؛ فصلواتك الماضية التي تركت قراءة السورة بعد الفاتحة فيها صحيحةٌ لا تلزمكِ إعادتها، ولا يجبُ عليك قراءة السورة بعد الفاتحة فيما يُستقبل من الصلوات، وانظري الفتوى رقم: 37877. ولا يلزمكِ سجود السهو، ولا يُسن لكِ كذلك عند كثير من العلماء.
قال النووي رحمه الله: وأما غير الأبعاض من السنن كالتعوذ، ودعاء الافتتاح، ورفع اليدين، والتكبيرات والتسبيحات، والدعوات، والجهر والإسرار، والتورك، والافتراش، والسورة بعد الفاتحة، ووضع اليدين على الركبتين، وتكبيرات العيد الزائدة، وسائر الهيئات المسنونات غير الأبعاض فلا يسجد لها سواء تركها عمدا أو سهوا لأنه لم ينقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم السجود لشيء منها، والسجود زيادة في الصلاة فلا يجوز إلا بتوقيف. انتهى.
وأما ما ذكره هذا الشيخ المالكي عن مذهب المالكية من لزوم سجود السهو لمن ترك السورة بعد الفاتحة سهواً في صلاة الفريضة، وبطلان الصلاة بتركه فهو الذي نص عليه فقهاء المالكية.
جاء في مختصر خليل ممزوجا بشرحه للدردير في ما يبطل الصلاة: وبطلت بترك سجود سهو قبلي ترتب عليه عن ثلاث سنن كثلاث تكبيرات، وكترك السورة وطال إن ترك سهوا، وأما عمدا فتبطل وإن لم يطل. انتهى.
وليس ما ذكره من بطلان صلاة من ترك السورة بعد الفاتحة عمدا متفقا عليه بين المالكية، بل قد اختلف المالكية في من ترك السورة بعد الفاتحة عمداً في الفريضة، هل تبطل صلاته أو لا؟
قال في مواهب الجليل: قال الرجراجي في ترك السنن وأما على طريقة العمد فلا يخلو إما أن يترك سنة أو سننا فإن ترك سنة واحدة عامدا كالسورة التي مع أم القرآن، أو ترك الإقامة فقيل: يستغفر الله ولا شيء عليه، وقيل يعيد أبدا, وسبب الخلاف المتهاون بالسنن هل هو كتارك الفرض أم لا ؟ ... إلى أن قال: وذكر سند في كتاب الصلاة الأول عن المدونة: أن من ترك السورة في الركعتين الأولتين عمدا يستغفر الله ولا شيء عليه. انتهى.
وقد عرفناكِ ما هو الراجحُ عندنا، وهو مذهب الجمهور، وأن الصلاة لا تبطل بترك القراءة بعد الفاتحة لا عمدا ولا سهوا، ولكن الذي ننصحكِ به أن تجتهدي في إحضار قلبك في صلاتك، بحيثُ تُعطينها التركيز المطلوب، فإذا فعلتِ فإنك ستقرئين الفاتحة، وتقرئين السورة بعدها بلا إشكال دون أن تفوتي على نفسك هذا الفضل، أو تحرمي نفسك من هذا الثواب، أو تدخلي نفسك في هذا الخلاف، وإذا أبيتِ إلا قراءة الفاتحة وحدها فصلاتك صحيحة.
والله أعلم.