عنوان الفتوى : من الآفات التي تمنع أثر الدعاء
لجأت إليكم بعد أن ضاقت بي السبل، وأتمنى أن أجد لديكم كلمات تريح قلبي، وأرجو أن تتسع صدوركم وتقرؤوا مشكلتي كاملة. أنا فتاة غير متزوجة، منذ عامين حدثت في حياتي مشكلة أعتبرها شديدة، وتسببت في تدميري نفسيا وعانيت منها بشدة. وهى أن بعض الناس آذوني نفسيا وتسببوا في عدم إتمام زواجي، وكنت أبكي دائما وأشعر بالانكسار والقهر والذل، وتقربت إلى الله تعالى، ودعوته بشدة كل ليله أن ينصرني نصرا قريبا على هؤلاء الناس، وأن يريني فيهم ثأري، وأن يعوضني ما حرموني منه من السعادة، وكنت من شدة حزني وألمى أدعو عليهم بالموت والشقاء، وكنت أدعو الله دون ملل يوميا، وكنت متيقنة بشدة في الله، وكلى ثقة وأمل ويقين يفوق الوصف أنني سأنهي دعائي وأجد الفرج أمامي، وكنت كلما اشتد حزني وتذكرت ماحدث لي أدعو بكلمات الفرج التى كان يدعو بها رسولنا الكريم، وأدعو بدعاء ذي النون الذي وعدنا الرسول أنه مادعا به مكروب إلا استجيب له، حتى أني واظبت على قراءة سورة البقرة يوميا لعدة اشهر بعدما نصحنى بعض الأخوات بذلك على أمل أن يفرج الله همي، وكنت شديدة الأمل واليقين فى الله، ولكن للأسف الشديد لم أر فرجا، ولم يرد الله تعالى أن ينصرني نصرا قريبا، بل واشتد همي وحزني كل يوم أكثر وأكثر لشعورى بالقهر وشماتة هؤلاء الناس الذين تسببوا في جرحي وحزني، بل وازداد الأمر سوءا أنى عرفت أن هؤلاء الناس تتحسن أحوالهم وتحدث عندهم أحداث سعيدة، وأنا مازلت أعاني مما تسببوا هم فيه، فشعرت بالحقد والغيظ وكنت دائما لا أنام حتى أتخيل نفسي وأنا أقتلهم أو أعذبهم ثم أعود لنفسي وأقول حسبي الله ونعم الوكيل. وانتظرت الفرج طويلا على أمل ولم يأت الفرج حتى أصبت بحالة من اليأس الشديد والإحباط وأصبحت أعاني من الاكتئاب والحزن لا يفارقنى ليلا و لا نهارا، فأصبحت أنام وأصحو بنفس الحالة من الهم والأفكار السلبية، حتى أحلامي في نومي كئيبة حزينة، وأصبت بمرض الوسواس القهري في الصلاة والطهارة وللأسف أصبحت أكره وقت الصلاة بسبب المعاناة التي أعانيها حتى أصلي كل فرض. والمشكلة الاكبر أني فقدت ثقتي تماما في الدعاء، رغما عني لم أعد قادرة على الدعاء نهائيا، وحتى إن دعوت فلا أشعر بالدعاء، وأدعو بدون أي يقين وأقول دائما لنفسي لقد دعوت كثيرا ولم يفرج الله همي، وأستغفر ربي على أفكاري، ولكنها تملكتني تماما حتى كلمات الفرج كلما دعوت بها أقول لنفسى( لن تفيدني في شيء ولقد قلتها من قبل ولم أر فرجا) وأقول لماذا يارب لقد وعدتنا أنه من كان على يقين من الإجابه تستجيب له، فلماذا لم يحدث ذلك معي عندما كنت على يقين. ورسولنا الذي وعدنا أنه ما من مسلم يدعو بدعاء ذي النون إلا استجيب له وهو لم ينطق عن الهوى، لماذا لم أر فرجا وأظل أسأل نفسي هذه الأسئلة، وأصبحت أشعر أنني على وشك الجنون، وأحاول أن أصبر نفسي واقول إن مشكلتي تافهة أمام مشاكل الناس وأحاول أن أهون مشكلتي في عيني، وأشكر الله على نعمه، ولكن دون جدوى، ولم أعد أطيق التحدث مع صديقاتي اللاتي تزوجن جميعا وأنجبن ولا أريد أن أكلمهن حتى لايسألنني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج همك، ويذهب غمك، ويبدلك مكانهما فرحا وفرجا ومخرجا.
واعلمي أن ما تعانين منه من وسوسة وسوء ظن بالله سبحانه إنما هو من كيد الشيطان لك ومكره بك ليزحزحك عن طريق الإيمان، ويسلك بك سبيل الغي والعصيان.
وهذه من عادة عدو الله أن يوقع أهل الإيمان في الوسواس خصوصا في أمر العبادة حتى تثقل عليهم الطاعات والعبادات، فينفضوا عنها ويتركوها جملة واحدة، وهذا واضح من قولك إنك قد أصبحت تكرهين وقت الصلاة لما تشعرين به من الضيق والحرج، وقد سبق لنا الفتاوى الكثيرة في الحديث عن أمر الوساوس كلها سواء في أمور العقيدة أو غيرها، وبينا أن أعظم علاج لها هو الدعاء والتضرع إلى من بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، ثم بالإعراض عن هذه الوساوس جملة واحدة، فإن الإعراض عنها علاج لها أيما علاج، كما أن الاسترسال معها بلاء ما بعده بلاء. وراجعي في ذلك الفتاوى رقم: 121943، 3086، 117004.
وأما هؤلاء القوم الذين آذوك وألحقوا بك الضرر، فإنا ننصحك ألا تشغلي نفسك بهم ولا بالدعاء عليهم، وإن كان الدعاء على الظالم مشروع بضوابطه. وقد بينا هذا كله في الفتاوى رقم: 115193، 22409، 10784
واعلمي أن العفو عن الظالم خلق جميل من أخلاق الرسول الكريم، فأين المشمرون المقتدون؟! سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين .
وأما بخصوص عدم استجابة الدعاء في خصوص ما تدعين به فنقول: لا تلازم بين عدم تحقق مطلوب الداعي وبين عدم قبول دعائه ، بل قد يستجيب الله الدعاء ويقبله ويعظم الأجر لصاحبه، ولكن لا يحقق له مطلوبه، وقد سبق لنا تفسير ذلك في الفتوى رقم: 117689، وأوضحنا هذا المعنى بكلام نفيس. وراجعي شروط إجابة الدعاء وآدابه في الفتوى رقم: 11571.
واعلمي أن من أعظم الآفات التي تعرض للداعي آفة التعجل في تحقق مطلوبه، وما يترتب عليها من الاستحسار وترك العمل، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا في مثل قوله: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم. وفي مثل قوله: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل". قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. رواه مسلم.
قال ابن القيم: ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله. انتهى.
ثم إنا ننبهك - أيتها السائلة - إلى أمرين:
الأول : أنه لم يرد نص في كون قراءة سورة البقرة بخصوصها من أسباب تفريج الهم، بل ورد في فضلها أن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه كما صح بذلك الحديث. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
الثاني: أن ضرب الخد غير جائز وهو من أخلاق أهل الجاهلية كما بيناه في الفتوى رقم: 21997.
وفي النهاية نوصيك بالمداومة على الرقية الشرعية المبينة في الفتويين رقم: 7151، 4310.
والله أعلم.