عنوان الفتوى : معاناة داعية في بيت أهلها في دعوة والدها وأشقائها
كيف أتصرف مع أخي الصغير عمره 14 سنة ، عندما ينام عن الصلاة ؟ إذا أيقظناه يرد علينا بأسلوب سيء ، يعمل مثل تصرفات أخيه الكبير ، ويقلده في الرد الوقح عليَّ ، وعلى أمي ، وعندما أوقظه يقول لي أبي : " اتركيه ينام ، وإذا استيقظ يصليها " ، المشكلة : إذا كان أبي لا يأمره بالصلاة ، ويقلد أخي في نومه عن الصلاة ، ويسمع الأغاني ، وحياته عبارة عن لعب في لعب ، الألعاب الإليكترونية ، كيف أغرس فيه القيم الفاضلة وهذا أبي وأخي يشكلون له القدوة ؟ ومرة من المرات اكتشفت أنه يشاهد مشاهد وصور إباحية ، ولم أعرف كيف أتصرف سوى أننا منعناه من دخول الإنترنت ، وقد سألني في بعض المرات عن : ما هو الزنا ؟ كيف أشرح له الإنجاب وهو في هذه السن الصغيرة ؟ وأنا لا أريد أن يبحث عن الإجابة من مصادر أخرى ، والشيء الثاني : كيف أتعامل مع أبي ؟ أبي شخص لا يحب المشايخ ، وكان يخاصم أمي لأنها تحث أخي الصغير على حفظ القرآن ، ولا يذهب للمسجد ، ويشكك في صحة أحاديث " البخاري " ، ويقول : إننا يجب أن نعرض الأحاديث على العقل أولا ، والنقاش معه لا يأتي بفائدة ؛ لأنه مقتنع برأيه ، وهو دائماً على صح ، علماً بأنه الآن في الستين من عمره ، ويتهمني بالتشدد إذا قلت له الأغاني حرام . أرجو أن ترشدوني إلى التعامل معهم .
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يصلح شأنك ، وأن يجعل عاقبتك إلى هدى وصلاح ، وأن يجزيك خير الجزاء
على حرصك على أهلك ، وشفقتك عليهم من الوقوع فيما لا يرضي ربهم ، وهكذا نريد
الأخوات المستقيمات على طاعة الله تعالى ، أن لا تكتفي الواحدة منهن بالهداية
لنفسها ، بل تحرص على إيصالها إلى من استطاعت ، وإن أولى الناس بدعوتها ، وجهدها ،
هم أهلها ، فاستمري ـ بارك الله فيك ـ في دعوتهم ، ونصحهم ، وتذكيرهم ، فأنتِ على
خير إن شاء الله .
ثانياً:
المشكلة عندكم ليست في أخيك الذي يرفض الاستيقاظ للفجر ، ويتصرف كأخيه الأكبر ،
إنما المشكلة في رب البيت ، ومسئوله الأول ، وهو والدك ، فلو أنه كان على هدى
واستقامة لأثمر ذلك نتائج طيبة – إن شاء الله – على البيت وأهله ، وليته كان في
موقف محايد من دعوتك لإخوتك للخير ، بدلاً من الصد عن دعوتهم ، ونصحهم
، لكن لا ينبغي لهذه العقبة أن تقف في طريقك وتردك للخلف ، نعم ، يمكنها أن تضيق
عليك الطريق ، وأن تجعل سلوكه صعباً ، لكن إياك واليأس والقنوط ، واحذري من التراجع
، فليس هذا من صفات الدعاة إلى الله ، الحريصين على إيصال الخير للناس ، ولك في
رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فقد بذل من جهده ووقته ما بذل في سبيل
إصلاح الناس ، وابتدأ بأهله الأقربين ، وقد أثمرت دعوته لهم خيراً عظيماً ، ولم يكن
ذلك إلا من صدقه ، وإخلاصه ، وصبره ، واحتسابه ، وهكذا هو عمل الأنبياء ، وكذا هو
عمل من يقوم بعملهم من الدعاة أمثالك ، حتى وصل الأمر أن قال له ربه تعالى : ( فَلا
تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )
فاطر/ من الآية 8 ، وقال : (
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا
الْحَدِيثِ أَسَفاً ) الكهف/ 6 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
يقول تعالى مسليّاً رسوله صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين ، لتركهم
الإيمان وبُعدهم عنه ، كما قال تعالى : ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ
حَسَرَاتٍ ) فاطر/ 8 ، وقال : ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ )
النحل/ 127
، وقال : ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ
أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) الشعراء/ 3 .
باخع : أي : مهلك نفسك بحزنك عليهم ؛ ولهذا قال : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ
عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ ) يعني : القرآن ، (
أَسَفًا ) يقول : لا تهلك نفسك أسفًا .
قال قتادة : قَاتِل نَفْسَكَ غضبًا ، وحزنًا عليهم ، وقال مجاهد : جزعًا ، والمعنى
متقارب ، أي : لا تأسف عليهم ، بل أبلغهم رسالة الله ، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل
فإنما يضل عليها ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات .
" تفسير ابن كثير " (5 / 137 ) .
ثالثاً:
نحن وإن قلنا بأن علاج رأس البيت ضرورة لإصلاح من بعده ، إلا أن هذا لا يعني التوقف
عن إصلاح الآخرين ، ونصحهم ، سواء استجاب الأب ، أو امتنع عن الاستجابة ، وعدم
استجابة الأب لا يمنع أن يستجيب أحد أبنائه ، أو بناته ، وها هو الدليل أمامنا ،
وهو أنتِ ! فوالدك حاله ما ذكرتِ ، وأنت حالك من الحرص على الخير ومحبته ظاهر من
رسالتك ، ويمكن أن يزيد العدد ، فتصبحون اثنين ، وثلاثة ، وأكثر ، فمع دعوة والدك
للخير : لا تقصري البتة في دعوة أشقائك ، وشقيقاتك ، وما عليك إلا بذل الجهد ،
والله يتولاكِ ، وييسر أمرك ، واسأليه الإعانة ، واحرصي على الدعاء لهم بالهداية ،
وكل ذلك من الدعوة ، والدعاء : هو من هدي الأنبياء والمرسلين .
رابعاً:
لدعوة إخوتك : احرصي على التلطف في الأسلوب عند النصح والتوجيه ، ووثقي علاقتك بهم
، وانظري ماذا يحبون من الأشياء المباحة فقدميه لهم هدية ؛ فإن هذا مما يحببهم
لشخصك ، وانظري البرامج النافعة في القنوات الإسلامية ليشاهدوها ، فبعض تلك البرامج
مؤثر للغاية ، ومن المهم تجنب القسوة والعنف في التعامل ؛ فسنُّهم لا يجعل مثل هذا
مجدياً ، وإذا جعلوك قدوة لهم تكونين نجحتِ في دعوتك ؛ لأنهم يفتقدون القدوة
الصالحة ، وكم سمعنا وقرأنا عن عظيم تأثير بعض الأخوات الفاضلات على بيوت أهاليهن ،
حتى أصبحن هن الموجهات لدفة قيادته ، وصرن مرجعاً لأهل البيت ، ومحط ثقة الجميع ،
فاحرصي على هذا ، فلعلَّ الله أن يهدي أفراد الأسرة جميعها على يديك ، وتنالين
الأجر الوافر من رب العالمين .
وبخصوص ما ترينه على إخوتك من فعل المنكرات : فلا تعنفي عليهم ، وتلطفي في الإنكار
عليهم ، وحاولي تقوية إيمانهم ودينهم ؛ فإن من شأن ذلك أن يتخلصوا هم بأنفسهم من أفعال
السوء والمنكر .
وأما بخصوص التعامل مع والدك : ففي جواب السؤال رقم : (
95588 ) ما ينفعك ، فنرجو
الاطلاع عليه .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يهدي أهلك جميعاً للبر والتقوى .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري |
---|
معاناة داعية في بيت أهلها في دعوة والدها وأشقائها |