أرشيف المقالات

أبو بكر الصديق خليفة رسول الله (3)

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
أبو بكر الصديق خليفة رسول الله (3)

ذكر الآيات التي نزلت بالذكر الجميل لأبي بكر الصديق
قال الله تعالى: ﴿ إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة:40][1].
فهذا منقبة لأبي بكر لم يشركه فيها أحد.
 
وقال تعالى: ﴿ وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [النور: 22][2].
هذه الآية ذكر المفسرون أنها نزلت في أبي بكر حين قطع عن مسطح صلته التي يصله بها، حيث إنه رحم له، فلما تكلم مع من تكلم في مسألة الإفك، قطع عنه أبو بكر الصلة؛ فأنزل الله هذه الآية، فبعد ذلك رد الصلة عليه؛ امتثالاً لأمر الله، ورغبة في الخير رضي الله عنه.
 
والآية الثالثة، وهي قول الله تعالى: ﴿ وسيجنبها الأتقى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ [الليل:17-18][3].
قال كثير من أهل التفسير: إنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه.

 
ذكر خبر السقيفة ومبايعة أبي بكر الصديق
قال ابن إسحاق: "لما قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انحاز حي من الأنصار إلى سقيفة بني ساعدة على سعد بن عبادة الخزرجي، فعلم بذلك المهاجرون، فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين، فتكلم أحد الأنصار، وقال: منا أمير ومنكم أمير.
فأراد عمر أن يتكلم، فأسكته أبو بكر، حيث عمر يُقدّر لأبي بكر حرمته وقدره بتقدير رسول الله له، فتكلم أبو بكر رضي الله عنه، فأحسن القول.
فقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاماً، ونحن عشيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقاربه وذوو رحمه، ولن تصلح العرب إلا برجل من قريش؛ فالناس لقريش تبع، وأنتم إخواننا في كتاب الله، وشركاؤنا في دين الله، وأحب الناس إلينا، وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم لإخوانكم، وأن لا تحسدوهم على خير.
 
وقد أقنع أبو بكر رضي الله عنه الأنصار، هذا[1] القول الذي أنزلهم فيه منازلهم ولم يهضم لهم حقاً، ثم تعقبه عمر، حيث قال: يا معشر الأنصار! ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر يصلي بالناس؟! قالوا: بلى.
قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر".
 
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "قدّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر يصلي بالناس وأنا حاضر غير غائب، وصحيح غير مريض، ولو شاء أن يقدمني لقدمني؛ فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا، وإن أبا بكر رضي الله عنه لحرصه على لم شعث المسلمين وجمع كلمتهم.
قال معرضاً عن نفسه في عدم رغبته للخلافه، قال في محضر السقيفة: بايعوا أحد هذين الرجلين عمر أو أبا عبيدة.
فقال عمر رضي الله عنه: بل نبايعك أنت.
فأخذ بيد الصديق، فبايعه، فتتابع الناس على مبايعته في السقيفة، وهذه مبايعة خاصة، ثم جلس أبو بكر للناس في المسجد للمبايعة العامة، فلم يتخلف أحد عن مبايعته إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لكنه رجع فيما بعد.
بقي تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة إلى أن ماتت فاطمة رضي الله عنها بعد ستة أشهر من موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جاء إلى أبي بكر واعتذر إليه، وقال: إنني لم أتخلف إلا أنا نرى لنا حقاً، وقد أخرنا عن المشورة مع أيضاً مطالبة فاطمة من أبي بكر ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم إنه بايع أبا بكر بيعة مشتهرة بين الناس في المسجد، رضي الله عن الجميع وأرضاهم".


ذكر بعض الدلائل والإشارات النبوية على خلافة الصديق
من المتحقق المعلوم بين الصحابة من المهاجرين والأنصار وسائر المسلمين قاطبة أن أبا بكر هو أحق بتقديم الخلافة من غيره، وأنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها لما ورد من النصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم.
من ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروا أبا بكر فليصلي بالناس"[4].
وقد روجع في ذلك، ثم قالها مرة أو مرتين صلوات الله وسلامه عليه.
ومن ذلك ما في صحيح البخاري عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: أرأيت إن جئت فلم أجدك -كأنها تعني الموت-؟ قال: "إن لم تجدني؛ فأت أبا بكر".
رواه البخاري في صحيحه.
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة، فنزع منها ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم استحالت غرباً؛ فأخذها عمر فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن".
 
وفي مسند الإمام أحمد عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكر[2] ، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً: "أيكم رأى رؤيا؟".
فقلت: أنا رأيت يا رسول الله، كأن ميزاناً دلي من السماء، فوزنت بأبي بكر؛ فرجحت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر بعمر؛ فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان؛ فرجح عمر بعثمان، ثم رُفع الميزان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك لمن يشاء".
وفي الصحيحين عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليوم الذي بدئ به فيه، فقال: "ادعي لي أباك وأخاك حتى اكتب لأبي بكر كتاباً".
ثم قال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر...".
الحديث.
وهو في الصحيحين.
وما في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً....".
الحديث[5].
وهذا في البخاري.
وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت؛ إلا خوخة أبي بكر"[6].
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها لما سئلت: من كان رسول الله مستخلفاً لو استخلف؟ قالت: "أبو بكر".
ثم قيل: ثم من؟ قالت: "عمر".
ثم قيل: ثم من؟ قالت: "أبو عبيدة بن الجراح".
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن الدلائل على استخلاف أبي بكر تأميره له على الحج؛ ليقيم السنة، ويمحق آثار الجاهلية".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "خلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصريحة الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسوله له بها، وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختياراً استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله، وأنه أحقهم بهذا الأمر عند الله ورسوله، فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعاً".
انتهى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "خلافة أبي بكر قضاها الله في سمائه، وجمع عليها قلب نبيه".
 
وروى الترمذي في جامعه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة بن عبيد الله في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وعامر بن الجراح في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة رضي الله عنهم".

 
ذكر بعض ما ألقاه أبو بكر من خطب ووصايا بعدما تولى
بعدما استتمت لأبي بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة من الخاصة والعامة؛ قام فيهم خطيباً فحمد الله تعالى، وصلى على نبيه، ثم قال: "أما بعد: أيها الناس، فإني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله؛ إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط؛ إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله".
وقام رضي الله عنه مقاماً آخر؛ فخطب الناس، واعتذر إليهم فقال: "والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً قط ولا ليلة، ولا سألتها الله سراً ولا علانية، ولكن أشفقت على أمة محمد من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، ولقد قلدت أمراً عظيماً ما لي به طاقة إلا بتقوية من الله تعالى، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم".
وقد ذكر غير واحد أن أبا بكر قام بعد المبايعة في الناس، فطلب منهم الإقالة من البيعة؛ غير أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: "لا نقيلك ولا نستقيلك".
وروي أن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس خطيباً عندما أراد أن يبعث سرية من السرايا للجهاد، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم حث الناس على الجهاد وقال: "ألا إن لكل أمر جوامعاً، فمن بلغها، فهي حسبه، ومن عمل لله، كفاه الله، عليكم بالجد والقصد، فإن القصد أبلغ، ألا إنه لا دين لمن لا إيمان له، ولا عمل لمن لا نية له".


وصية أبي بكر لأسامة بن زيد
وقد وصى أبو بكر رضي الله عنه أسامة بن زيد أمير الجيش الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت ثم أمضاه أبو بكر بعده أوصاه أبو بكر ومن معه فقال: "أوصيكم بتقوى الله: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً؛ إلا لمأكله، ولا تعرضوا للعباد والزهاد الذين يعيشون في صوامعهم يذكرون ربهم".
هذا وهو رضي الله عنه يمشي غير راكب، فيقول له أمير الجيش أسامة: "يا خليفة رسول الله! والله، لتركبن أو لأنزلن".
فيقول: "والله، لا تنزل، وأنا ما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله".
فحصل لجيش أسامة حين أمضاه أبو بكر موقع كبير في نفوس القبائل المرتدة أو الذي تحدث أنفسها بالارتداد، فالحمد لله على ذلك.

 
أخبار الردة وموقف الصديق منها
لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطارت الأخبار بموته ارتد كثير من القبائل والأعراب، وكاد أن يتصدع ركن الإسلام، وأظلمت أرجاء المدينة، بل وجميع الأقطار لولا أن الله تعالى وفق صديق هذه الأمة أبا بكر ووزيره عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، بل إن عمر في بداية الأمر لام أبا بكر في معاجلة قتال المرتدين، حتى قال أبو بكر: "والله، لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله، لو منعوني عقالاً- وفي رواية عناقاً- كانوا يؤدونها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لقاتلتهم على منعها".
فقد صمد لقتال المرتدين صمود الجبال الراسيات رضي الله عنه، فلما قال عمر لأبي بكر: "يا خليفة رسول الله! تآلف الناس".
قال له أبو بكر: "يا ابن الخطاب! أجبار في الجاهلية، خوار في الإسلام؟! علام أتألفهم، أعلى حديث مفترى، أم على شعر مفتعل؟!".
لكن عمر رضي الله عنه لما رأى الجد من أبي بكر قال: "فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق"[7].
رضي الله عنهما وجزاهما الله عن الإسلام وأمة محمد خير الجزاء.


ذكر عقد الألوية التي عقدها أبو بكر لقتال المرتدين
لما عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتال المرتدين، عقد أحد عشر لواءً مع أحد عشر قائد، أعطى كل قائد جيش لواءً، والقواد لهذه الجيوش هم:
• خالد بن الوليد، ووجهه إلى طليحة الأسدي، ثم إلى مالك بن نويرة.
• عكرمة بن أبي جهل، وجهه إلى مسيلمة باليمامة قبل نجد.
• المهاجر بن أبي أمية، وجهة إلى العنسي وقومه باليمن.
• شرحبيل بن حسنة، وجهه في أثر عكرمة.
• حذيفة بن محصن الغطفاني، وجهه إلى أهل دبا.
• عرفجة بن هرثمة، وجهه إلى أهل مهرة.
• سويد بن مقرن، وجهه إلى تهامة اليمن.
• العلاء بن الحضرمي، وجهه إلى البحرين.
• طريفة بن حاجز، وجهه إلى بني سليم.
• عمرو بن العاص، وجهه إلى قضاعة.
• خالد بن سعيد بن العاص، وجهه إلى مشارف الشام.
• وقبل هؤلاء عامر بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، ووجهتهم إلى الشام.
 



[1] التوبة: 40.


[2] النور: 22.


[3] الليل: 17-18.


[4] وهذا في "الصحيح"، ورواه أهل "السنن".


[5] رواه البخاري.


[6] رواه البخاري.


[7] رواه البخاري.

شارك الخبر

المرئيات-١