عنوان الفتوى : تأليف القصص والمسرحيات: حكمها وضوابطها
ما موقف الإسلام من تأليف القصص والروايات وما الضوابط التي يجب مراعاتها في ذلك؟؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
إذا كان الإسلام قد دعا إلى الإحساس بالجمال وتذوقه وحبه، فإنه قد شَرَّع التعبير عن هذا الإحساس والتذوق والحب بما هو جميل أيضًا.
وأبرز ما يتجلى ذلك في فنون القول من الشعر والنثر والمقامة والقصة والملحمة، وسائر فنون الأدب، وقد استمع النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الشعر وتأثر به، ومنه قصيدة كعب بن زهير الشهيرة ” بانت سعاد ” وفيها من الغزل ما هو معروف، وقصيدة النابغة الجعدي، ودعا له، ووظف الشعر في خدمة الدعوة والدفاع عنها، كما صنع مع حسان. واستشهد بالشعر كما في قوله: “أصدق كلمة قالها شاعر: كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل” (متفق عليه عن أبي هريرة).
واستشهد أصحابه بالشعر، وفسروا به معاني القرآن، بل منهم من قاله، وأجاد فيه، كما يروى عن على كرم الله وجهه. وهناك عدد كبير من الصحابة كانوا شعراء.
وكثير من الأئمة الكبار كانوا شعراء، مثل الإمام عبد الله بن المبارك، والإمام محمد بن إدريس الشافعي وغيرهما.
وقال – صلى الله عليه وسلم – : “إن من الشعر حكمة” (متفق عليه عن أُبَي، وقد روى عن جمع من الصحابة. صحيح الجامع الصغير – 2219)، “إن من البيان لسحرًا” (رواه مالك وأحمد البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عمر. المصدر السابق – 2216)، “إن من البيان سحرًا، وإن من الشعر حكمًا” (رواه أحمد وأبو داود عن ابن عباس. المصدر نفسه – 2215)
ومفهوم الحديث أن من الشعر ما هو بعيد عن الحكمة، بل هو نقيضها، مثل شعر المديح بالباطل، والفخر الكاذب، والهجاء المتعدي، والغزل المكشوف، ونحو ذلك مما لا يتفق مع القيم الأخلاقية والمثل العليا.
ولهذا ذمّ القرآن الشعراء الزائفين والمزيفين، الذين لا يتورعون عن شيء والذين تكذب أفعالهم أقوالهم. وذلك في قوله تعالى:
(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا …) [الشعراء/224-227]
فالشعر – والأدب عامة، والفن بوجه أعم – له هدف ووظيفة، وليس سائبًا، فهو شعر ملتزم، وأدب ملتزم، وفن ملتزم.
أما القوالب التي يظهر فيها الشعر أو الأدب فلا مانع من تغيرها وتطورها، واقتباس ما يلائمنا مما عند غيرنا. المهم هو الهدف والمضمون والوظيفة.
اخترع العرب قديمًا قوالب في الشعر كالموشحات، وغيرها، ولهذا لا بأس من قبول القوالب الجديدة في الشعر المعاصر. كالشعر الحر.
كذلك ابتكر العرب في العصور الإسلامية قوالب أدبية كالمقامات، والقصص الخيالية، كما في “رسالة الغفران”، و”ألف ليلة وليلة” وترجموا مثل “كليلة ودمنة”، وأّلف المتأخرون الملاحم الشعبية مثل قصة “عنترة”، وسيرة “بني هلال” إلى غير ذلك من القوالب.
وفي عصرنا يمكننا أن نستحدث من القوالب ما شئنا، وأن نقتبس من غيرنا ما ينفعنا، كالمسرحية والرواية والقصة القصيرة.
والذي نود تأكيده هنا هو ضرورة الالتزام بالعربية الفصحى، والحذر من المحاولات المشبوهة لترويج اللهجات العامية المختلفة للشعوب العربية، فإنها تهدف إلى المباعدة بينها وبين القرآن والسُّنَّة، كما تهدف إلى تثبيت الفرقة والتجزئة الإقليمية، التي تحرص على بقائها القوى المعادية للعروبة والإسلام.
ويغني عن ذلك اللغة السهلة التي تفهم الجماهير العربية بها نشرات الأخبار في الإذاعة والتلفاز، وتفهم بها الصحف التي تطالعها كل يوم.
كما أن الفصحى هي التي تقرب بين العرب وسائر أبناء الإسلام ممن يتعلمون العربية، فإنهم لا يتعلمون إلا الفصحى، ولا يستطيعون التفاهم مع الجميع إلا بها.
وقد وجهت إلى في أكثر من مكان أسئلة حول شرعية بعض القوالب الإسلامية الأدبية كالمسرحية والقصة، حيث يخترع القصاص أو المؤلف المسرحي شخصيات، وينطقها بأقوال وأمور لم تحدث في الواقع، فهل يدخل هذا في دائرة الكذب المحرم شرعًا ؟
وكان جوابي: أن هذا لا يدخل في الكذب المحظور؛ لأن السامع يعرف جيدًا أن المقصود ليس هو إخبار القارئ بوقائع حدثت بالفعل. إنما هو أشبه بالكلام الذي يحكى على ألسنة الطيور والحيوانات، فهو من باب التصوير الفني واستنطاق الأشخاص بما يمكن أن ينطقوا به في هذا الموقف. كما حكى القرآن عما تكلمت به “النملة” أو نطق به الهدهد أمام سليمان عليه السلام. فمن المؤكد أنهما لم يتحدثا بهذا الكلام العربي المبين، إنما ترجم القرآن عما يمكن أن يكون قولهما في هذا الوقت، وذلك الموقف.
وقد شاركت شخصيًا في التأليف المسرحي بعملين:
أحدهما: مسرحية شعرية عن “يوسف الصديق” عليه السلام. وذلك في مطلع حياتي الأدبية، وأنا في السنة الأولى من المرحلة الثانوية، وكنت متأثرًا في ذلك بمسرحيات شوقي الشهيرة.
والثاني: مسرحية تاريخية عن سعيد بن جبير والحجاج بن يوسف، سميتها “عالم وطاغية” وقد مثلت في أكثر من بلد، ولاقت قبولاً حسنًا. بخلاف الأولي؛ لأنها تتعلق بقصة نبي مرسل، والاتفاق بين علماء العصر منعقد على أن الأنبياء لا يمثلون. أ. هـ
ومن خلال هذه الفتوى في فنون الأدب عامة نرى أن تأليف القصص لا شيء فيه إذا كانت المادة التي يقدمها جيدة فالقصص كغيره من الكلام حلاله حلال وحرامه حرام أما إذا كان قائما على الإثارة الرخيصة وإثارة العواطف والمشاعر وإشاعة الفاحشة فهذا لا يجوز.
والله أعلم.