عنوان الفتوى : لماذا حرم الإسلام تشبه المسلمين بالكفار؟
لماذا حرم الإسلام على المسلمين أن يتشبهوا بغيرهم ؟
الحمد لله
التشبه بالغير حالة تطرأ على النفس البشرية ، تدل على عظم محبة المتشبه لمن تشبه به
، وهي في كثير من أحيانها ظاهرة غير صحية ، وقد أولت الشريعة هذه القضية [تشبه
المسلمين بالكفار] اهتماماً بالغاً ، وحرمها الرسول صلى الله عليه وسلم تحريماً
قاطعاً ، فقال : (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)
رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في صحيح أبي
داود .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
"وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر
المتشبه بهم ، كما في قوله : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)
المائدة/51.
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك ، وقد
يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه ، فإن كان كفرا ، أو معصية ،
أو شعارا لها كان حكمه كذلك . وبكل حال يقتضي تحريم التشبه" انتهى باختصار من
"اقتضاء الصراط المستقيم" (1/270، 271) .
ويمكن تلمس الحكمة من تحريم تشبه المسلمين بالكفار من معرفة أضرار هذا التشبه
وآثاره السيئة ، فمن ذلك :
1- أن تشبه المسلم بالكافر يدل على تفضيل المسلم لهيئة الكافر على هيئة نفسه ، وهذا
قد يكون فيه شيء من الاعتراض على شرع الله تعالى ومشيئته .
فالمرأة التي تتشبه بالرجل كأنها معترضة على الهيئة التي خلقها الله عليها ، وغير
راضية عنها.
وكذلك المسلم إذا تشبه بالكافر ، فإنه يعلن أن هيئة الكافر خير له من الهيئة التي
أكرمه الله بها ، وأمره أن يكون عليها .
2- التشبه بالغير دليل على الضعف النفسي ، والهزيمة النفسية ، والشريعة لا تقبل من
المسلمين أن يعلنوا تلك الهزيمة ، حتى وإن كانت واقعاً .
إن الاعتراف بالهزيمة وإعلانها يزيد الضعيف ضعفاً ، ويزيد القوي قوة ، وهذا قد يكون
من أكبر العوائق على نهوض الضعيف وتصحيحه لمساره .
ولهذا فإن العقلاء من أي أمة من الأمم يأبون أن تقلد شعوبهم عدوهم ، بل إنهم يحرصون
على تميزهم بتراثهم وتقاليدهم وأزيائهم حتى ولو رأوا أن العدو له تراث وتقاليد
وأزياء خير مما هم عليه ؛ وما ذلك إلا لأنهم يدركون الأبعاد النفسية والاجتماعية ،
بل والسياسية للتبعية الشكلية للعدو .
3- التشبه في المظهر الخارجي ملازم للمحبة والولاء القلبي ، فلا يتشبه الإنسان إلا
بمن يحبه ، والمسلمون مأمورون بالبراءة من الكفار بشتى أنواعهم ، قال الله تعالى :
(لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا
أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ
الْمَصِيرُ) آل عمران/28 . وقال تعالى : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22
. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله ،
والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله) .
رواه الطبراني وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة
(998) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/549) : "المشابهة في
الظاهر تورث نوع مودة ومحبة ، وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث
المشابهة في الظاهر ، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة"
انتهى
.
فالتشبه بالكفار فيه إضعاف لهذا الأصل من أصول الدين : وهو البراءة من الكفار وبغضهم
.
4- التشبه بالكفار في الظاهر يؤدي إلى ما هو أخطر ، وهو التشبه بهم في الباطن ،
فيعتقد اعتقادهم ، أو يرى تصحيح مذاهبهم وآرائهم ، فبين الظاهر والباطن ارتباط وثيق
، ويؤثر أحدهما على الآخر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/548) : "فالمشابهة
والمشاكلة في الأمور الظاهرة ، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه
المسارقة والتدريج الخفي ، وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين ، هم
أقل كفراً من غيرهم ، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى ،
هم أقل إيماناً من غيرهم" انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : "لأن المشابهة في الزي الظاهر تدعو إلى الموافقة
في الهدي الباطن كما دل عليه الشرع والعقل والحس ؛ ولهذا جاءت الشريعة بالمنع من
التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين والنساء والأعراب"
انتهى من الفروسية ص(122) .
فهذه بعض الحكم الظاهرة لتحريم الشرع تشبه المسلمين بالمشركين ، وعلى المسلم
أن يمتثل حكم الله تعالى ويؤمن أن الله تعالى لن يأمره إلا بما فيه الحكمة والمصلحة
والسعادة في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |