عنوان الفتوى : مسائل حول استخدام مكبرات الصوت بالمساجد
بخصوص تسابق المساجد فى رفع الصوت الخارجي والداخلي مما يؤذي الأذن بشكل مبالغ فيه والإفراط في اتخاذ الميكرفون يمسك به الإمام فى يده، علما بأن العدد داخل المسجد مع حجم المسجد (من حيث صغره) يسمح بتوصيل الصوت لآخر صف وتشغيل الراديو بالمسجد قبل كل صلاة بمدة كبيرة وأحيانا تنتقل للأذاعة الخارجية امرأة بالراديو أو تقدم برنامج ما قبل الانتقال هل هذا مسموح به؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما بخصوص تشغيل المذياع في مكبرات الصوت، فإذا لم يُقصد به التعبد، ولم يشتمل على نوعٍ من أنواع الأذية والتشويش على المسلمين، فالظاهرُ أنه لا بأس به، وأما إذا قُصد به التعبد، فهو من المحدثات التي يجبُ المنع منها، وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: وضع جهاز راديو أو نحوه لإذاعة القرآن بصوت مرتفع في المسجد يوم الجمعة قبل مجيء الإمام لا يجوز. انتهى... وكذا إذا اشتمل تشغيلُ المذياع على التشويش على الناس وخصوصاً المرضى ونحوهم وأذيتهم فهو ممنوع كذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. أخرجه ابن ماجه.
ويزيدُ الأمر قُبحاً والمنع تأكداً اشتمال ما يُذاع على أصوات النساء اللاتي الأصل فيهن الستر والتصون، ولما في عرض أصواتهن من ذريعة الفتنة والشر..
وأما صلاة الأئمة في مكبرات الصوت فمتى وُجدت الحاجة إلى ذلك من عدم وصول صوت الإمام إلى جميع المصلين فلا بأس، على أن يُقتصر في ذلك على المكبرات الداخلية لئلا يتأذي من في خارج المسجد، وأما إذا كان صوت الإمام يبلغ المصلين فلا مُسوغَ لاستعمال مكبر الصوت في هذه الحال، وبخاصة إذا كان الإمام يُمسك المكبر بيده مما يؤدي إلى تركه كثيراً من سنن الصلاة، واشتغاله عن الصلاة بفعل لا حاجة إليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن في الصلاة لشُغلا. انتهى.
وأما الصلاة في مكبرات الصوت الخارجية مما يترتب عليه أذية للناس في بيوتهم، أو أذية أهل المساجد الأخرى، فهذا مما لا يجوز شرعا، وقد فصل العلامة العثيمين رحمه الله أدلة منع ما ذكرنا في فتوى له، نسوقها بطولها لما فيها من الفائدة، ونصيحةً للمسلمين، قال رحمه الله: ما ذكرتم من استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية على المنارة فإنه منهي عنه؛ لأنه يحصل به كثير من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبة، وقد روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ من شرح الزرقاني في باب العمل في القراءة عن البياضي فروة بن عمرو –رضي الله عنه– أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. وروى أبو داود تحت عنوان رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة. قال ابن عبد البر: حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان ..ففي هذين الحديثين النهي عن الجهر بالقراءة في الصلاة حيث يكون فيه التشويش على الآخرين وأن في هذا أذية ينهى عنها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من مجموع الفتاوى: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين، وفي جواب له من الفتاوى الكبرى: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد، أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه. انتهى.
وأما ما يدعيه من يرفع الصوت من المبررات فجوابه من وجهين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القرآن وبين أن ذلك أذية، ومن المعلوم أنه لا اختيار للمؤمن ولا خيار له في العدول عما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً {الأحزاب: 36}،
ومن المعلوم أيضاً أن المؤمن لا يرضى لنفسه أن تقع منه أذية لإخوانه.
الوجه الثاني: أن ما يدعيه من المبررات -إن صح وجودها- فهي معارضة بما يحصل برفع الصوت من المحذورات فمن ذلك:
1- الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من جهر المصلين بعضهم على بعض .
2- أذية من يسمعه من المصلين وغيرهم ممن يدرس علماً أو يتحفظه بالتشويش عليهم .
3- شغل المأمومين في المساجد المجاورة عن الاستماع لقراءة إمامهم التي أمروا بالاستماع إليها .
4- أن بعض المأمومين في المساجد المجاورة قد يتابعون في الركوع والسجود الإمام الرافع صوته، لاسيما إذا كانوا في مسجد كبير كثير الجماعة حيث يلتبس عليهم الصوت الوافد بصوت إمامهم، وقد بلغنا أن ذلك يقع كثيراً .
5- أنه يفضي إلى تهاون بعض الناس في المبادرة إلى الحضور إلى المسجد؛ لأنه يسمع صلاة الإمام ركعة ركعة، وجزءاً جزءاً فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فيمضي به الوقت حتى يفوته أكثر الصلاة أو كلها .
6- أنه يفضي إلى إسراع المقبلين إلى المسجد إذا سمعوا الإمام في آخر قراءته كما هو مشاهد، فيقعون فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع بسبب سماعهم هذا الصوت المرفوع .
7- أنه قد يكون في البيوت من يسمع هذه القراءة وهم في سهو ولغو كأنما يتحدون القارئ وهذا على عكس ما ذكره رافع الصوت من أن كثيراً من النساء في البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها وهذه الفائدة تحصل بسماع الأشرطة التي سجل عليها قراءة القراء المجيدين للقراءة ...والقاعدة العامة المتفق عليها أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد، وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم فحكم بما تقتضيه، فإن تساوت فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يسلكوا طريق السلامة، وأن يرحموا إخوانهم المسلمين الذين تتشوش عليهم عباداتهم بما يسمعون من هذه الأصوات العالية حتى لا يدري المصلي ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء وذكر وقرآن، ولقد علمت أن رجلاً كان إماماً وكان في التشهد وحوله مسجد يسمع قراءة إمامه فجعل السامع يكرر التشهد لأنه عجز أن يضبط ما يقول فأطال على نفسه وعلى من خلفه، ثم إنهم إذا سلكوا هذه الطريق وتركوا رفع الصوت من على المنارات حصل لهم مع الرحمة بإخوانهم امتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن. وقوله: فلا يؤذين بعضهم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة. ولا يخفى ما يحصل للقلب من اللذة الإيمانية في امتثال أمر الله ورسوله وانشراح الصدر لذلك وسرور النفس به. انتهى.
والله أعلم.