عنوان الفتوى : شكوى من زوجة على زوجها المعدد ، وبيان حكم الشرع فيها

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

ما هو ميزان العدل بين الزوجات ؟ فلقد طلبت من زوجي أن يُحضر لي خادمة ؛ وذلك بسبب عدم قدرتي على القيام بشغل المنزل والأولاد ، ووافق على الطلب ، ولكن بشرط أن تكون الخادمة يوماً في بيتي ، واليوم التالي عند ضرتي ، مع العلم بأن بيتي كبير ، وعندي أطفال أكثر منها ، وهي بالعكس ، بحكم أنها الزوجة الثانية. وعندما أطلب منه أن يحضر لي حاجة نفسي فيها يحضر لها مثلها ، وقبل أيام طلبت منه أن يدفع قيمة كفارة يمين ، وبعد أن دفعها طلب مني المال لأنه يرى أن هذا شيء يخصني لذلك عليَّ أن أسدده من مصروفي الشخصي ، وللمعلوم فإن المصروف لا يتعدى 1000 ريال ، منه الكسوة ، والزينة ، وفاتورة الجوال ، والهدايا. فما هو العدل في هذه الأمور ؟ فلقد تعبتْ نفسيتي جدّاً ، هو رجل يريد أن يعدل ، وجزاه الله عني كل خير ، ولكني أراه يشدد عليَّ ، فما هو الطريق الصحيح للعدل لكي يأخذ كل طرف حقه ، ولا يشعر أن هناك ظلماً . وأخيراً : هل الزوج المعدد هو الذي ينظر للعدل أم الغير معدد ؟ .

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق


الحمد لله
أولاً:
العدل الواجب على المعدِّد هو : أن يعدل في نفقته على نسائه ، وفي المبيت ، وفي السكن ، وفي الكسوة ، وتجدون تفصيل هذه الثلاثة في جواب السؤال رقم:( 10091 ) .
وفي الهدية : لا يُلزم المعدد أن يسوِّي فيها بين نسائه ، كما سبق في جواب السؤال رقم : ( 13268 ) ، وإن كان الأفضل أن يحرص على التسوية بين نسائه فيها ، وهو أسلم له مما يمكن أن يقع بين نسائه من آثار غيرتهن السيئة .

ثانياً:
بخصوص الخادمة في البيت :
1. قد تكلمنا بتوسع عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن ، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات ، وذلك عند الجواب على السؤال رقم ( 26282 ) ، فلينظر للأهمية .
2. وإذا لم يكن في وجود الخادمة في البيت محاذير شرعية : فإن ما فعله الزوج من جعل الخادمة يوماً عندك ، ويوماً آخر عند ضرتك : أمر لا حرج فيه عليه ، ولكن على الزوج أن يعلم أن نفقته على امرأته التي عندها أولاد كثر ليست كالنفقة على من عندها أقل ، أو من لم يكن عندها أولاد ، والأمر نفسه ينبغي أن يراعى في أمر الخادمة ، وليس تقسيم عمل الخادمة بين بيتيه مع كبَر حجم أحد البيتين ، وكثرة الأعمال فيه من العدل الذي يظن الزوج أنه حققه ، بل عليه أن يراعي هذه الأمور ، وقد لا تكون إحدى نسائه بحاجة لخادمة أصلاً ، وفرق بين كون عمل الخادمة في بيت من الضرورات ، أو الحاجات الماسة ، وبين كونها في بيت آخر من الكماليات ! ، فعلى الأزواج أن يراعوا هذا في جانب الخدمة ، والإعانة على عمل البيت كما أن الواجب عليهم أن يراعو اختلاف النفقة على البيوت باختلاف عدد أفرادها ، وكثرة احتياجاتهم .

ثالثاً:
كفارة اليمين ليست مالاً يُدفع للفقراء ، بل الواجب إخراجها طعاماً ، كما نصَّ الله تعالى عليه في قوله : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/89 .
وتجدون تفصيل هذا في جواب السؤال رقم : ( 45676 ) .
وقد صدق الزوج في كون الكفارة تلزمك من مالكِ ، ولا يظهر أن في إخراج الكفارة من مصروفك الذي حدده لك : إجحافا بحقك ، أو التزاماتك ، أو تشديدا عليك ، ونظر الزوج ـ الفطن ـ هنا لما يقتضيه الحال : أمر مهم في تقدير حالكم ، وما يصلح لظرفكم .
لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز له الإطعام عنكِ ، وأنه إن فعل فقد وقع في الظلم ! بل هذا خلل في فهم " العدل " الواجب بين الزوجات ، والإطعام عنكِ لكفارة يمينك لا شك أنه يدخل في " العشرة بالمعروف " ، ولا يلزمه إعطاء الزوجة الثانية مثل ما بذل عنك ، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم ، ولا يُعرف في عالم المعددين من السلف ، والخلف .

رابعاً:
العدل الواجب ، لا يرجع تقديره للزوج المعدد ، ولا لغير المعدد ، بل هو للشرع ، فنصوص الوحيين هي التي تُلزم الزوج بالقيام بما أوجبته الشريعة عليه .
ولا يُعرف عدل الزوج بين نسائه من مجرد حكم الناس عليه ، بل بما يقوم به بالفعل ، فقد تكون ثمة أمور خفية عن الناس ظاهرها الظلم ، وحقيقتها العدل ، كما أن العكس صحيح ، فمن الممكن أن يظهر للناس عدل ذاك الزوج ، ويكون في حقيقة الأمر من كبار الظالمين .

وأخيراً :
فإننا نوصي الزوج الفاضل أن يحقق العدل الواجب عليه بين نسائه وفقاً لشرع الله تعالى ، وأن يكون حكيماً في إدارة البيتين ، وأن يُعطي كل ذي حق حقَّه ، ويراعي أنه ثمة اختلاف في واقع الأمر بين بيتيه إن كان في أحدهما له أولاد ، وليس في الآخر مثلهم ، وهذا يستوجب عليه العناية بنفقتهم ، وتربيتهم ، وخدمتهم ، بما لا يظلم زوجته الثانية ، وبما يحقق مقصود الشرع من التعدد .
كما أن عليكِ – أختي السائلة – أن تتلطفي مع زوجك ، وأن تحرصي على الأسلوب الحسن في التعامل معه ، وأن لا تحملك الغيرة على محاسبته بالدقة في أموره كلها ؛ فإن هذا مما يسبب انزعاجاً للزوج ، وكراهية للبقاء في بيت يأتي له بالصداع ! لا سيما وظاهر زوجك الصلاح والديانة ، والحرص على الخير ، فكوني له عونا على الخير ، ولا تكوني عونا للشيطان عليه .
وهذا لا يعني أننا نلزمك بالتنازل عن حقك ، بل حقك مكفول لك بشرع الله تعالى ، لكن لا تنسي الإحسان في طلب الحق ، والسماحة في أخذه ، قال الله تعالى : ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة /195 ، وقال تعالى : ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة /237 .
وروى البخاري في صحيحه (2076) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى ) .
نسأل الله تعالى أن يجمع بينكم على خير ، وأن يوفقكم لما فيه رضاه .

والله أعلم