عنوان الفتوى : الحج على مذهب مالك لكونه أيسر المذاهب في الطهارة
قال لى شخص ذهب للحج: إذا أردت أن تحج فحج على مذهب الإمام مالك حيث إنه في مذهب الشافعية من لمس امرأة ولو خطأ في الحج بطل حجه.وحيث إن مذهب مالك هو أيسر المذاهب فى الطهارة فلو تذكر الشخص موضوع النساء أودلك أعضاءه أثناء الوضوء أو نظر أو ... خرج منه المذي، وفى مذهب مالك لو حدث ذلك مرة واحدة فى اليوم يقال مستنكح وبالتالي لا يجب تطهير النجاسة، ولك أن تتوضأ مرة واحدة بعد دخول الوقت تصلى الفريضة، وتطوف وهذا يسير. بينما في المذاهب الأخرى يجب الاستنجاء، وتطهير محل النجاسة فى الملابس وتكرار ذلك كلما حدث، حيث إنه لم يستمر وقت الفريضة كلها، وبالتالي يجب إزالة النجاسة والوضوء أكثر من مرة للفريضة، والطواف سيكون مشكلة يجب قطعه وإزالة النجاسة والوضوء ثم استكماله أو إعادته من الأول. وهذه النقطة محل خلاف لكن في مذهب مالك لا تطهير للنجاسة، ووضوء واحد فقط بعد دخول الوقت، تصلى الفريضة ولا يتم الطواف بوضوء واحد مهما خرج منك مذي أو أي حدث. ما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل ننصح من نعرفه ويريد الحج بهذا درءا للمشقة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجبُ على كل مسلم أن يحرص على اتباع السنة وتحري الدليل، وألا يجعل خلاف العلماء تكأة يعتمدُ عليها في أخذ ما يشاء وترك ما يشاء، فإن التعبد بخلاف العلماء بدعة مذمومة.
قال الحافظ ابن عبد البر: الخلاف لا يكون حجة في الشريعة. انتهى.
وقال أبو محمد ابن حزم في ذم من يسلك هذا المسلك: وطبقة أخرى، وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة في قول كل عالم. انتهى.
ومالك والشافعي من أئمة الهدى ومصابيح الدجى بلا شك، ولكن لا يجوزُ للمسلم أن يختار بالتشهي هذا المذهب أو ذاك لكونه أسهل وأيسر، بل يتحرى ما وافق السنة والدليل، فإن أشكل عليه أمر ولم يعرف أرجح القولين، سأل أهل العلم حتى يبصروه، لقوله تعالى: فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل:34}
وأما الكلام على ما ورد في سؤالك ففيه ملاحظات:
الأولى: القول بأن من لمس امرأة في الحج ولو خطأ بطل حجه، من أقبح الغلط على مذهب الشافعي، فلا قائل بهذا من أهل العلم أصلاً،ولعل مقصد هذا القائل أن من لمس امرأة أثناء الطواف انتقض وضوؤه، وهذا هو مذهب الشافعي، وبين القولين فرقٌ كبير، وهذه مسألة من مسائل الاجتهاد، فمذهبُ الشافعي أن لمس المرأة ينقض الوضوء مطلقا، ومالكٌ وأحمد يقيدان ذلك بالشهوة، وأبو حنيفة لا يرى اللمس ناقضا، والراجح عندنا أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء إن لم يكن مع شهوة .
الثانية: ما ذكره لك عن المستنكح في مذهب مالك غيرُ دقيق، ونحنُ نسوق لك كلام المالكية في المستنكح، وحكمه من حيث الطهارة، قال في مواهب الجليل: (المستنكح ) هو: الذي يشك في كل وضوء وصلاة،أو يطرأ له ذلك في اليوم مرة أو مرتين، وإن لم يطرأ له ذلك إلا بعد يومين أو ثلاثة فليس بمستنكح كما سيأتي نقله عند قوله أو استنكحه الشك. انتهى.
وقال الدردير في الشرح الكبير: (وعفي عما يعسر ) الاحتراز عنه من النجاسات وهذه قاعدة كلية ( كحدث ) بولا أو مذيا أو غيرهما ( مستنكح ) بكسر الكاف أي ملازم كثيرا بأن يأتي كل يوم ولو مرة فيعفى عما أصاب منه، ويباح دخول المسجد به مالم يخش تلطخه فيمنع . انتهى بتصرف قليل .
وقال الدسوقي معلقا: وأما كونه ينقض الوضوء أو لا فشيء آخر له محل يخصه يأتي في نواقض الوضوء. وحاصله أنه إن لازم كل الزمن أو جله أو نصفه فلا ينقض، وإن لازم أقل الزمن نقض مع العفو عما أصاب منه، وإنما عفي عما أصاب من الحدث اللازم مطلقا، وفصل في نقضه الوضوء لأن ما هنا من باب الأخباث وذاك من باب الأحداث والأخباث أسهل من الأحداث. انتهى.
وبه تعلم أن المالكية وإن كانوا يعفون عن النجاسة الني تصيب ثياب المستنكح، لكنهم يوجبون عليه الوضوء، لكونه ليس صاحب سلس .
الثالثة: مذهب الجمهور في صاحب سلس البول أو المذي أنه يتوضأ بعد دخول الوقت، ويتحفظ ويصلي الفرض وما شاء من النوافل، وله أن يطوف بوضوئه ذاك، والمالكية لا يوجبون على صاحب السلس الوضوء بعد دخول الوقت، والراجح قول الجمهور، ففي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر فاطمة بنت أبي حُبيش وكانت تُستحاض بالوضوء لكل صلاة .
وعلى هذا فلا توجد مشكلةٌ كبيرة في الطواف كما ذكرت، فإن الطائف بالبيت إن كان صاحب سلس، فإنه يفعل ما ذكرنا من الوضوء بعد دخول الوقت والتحفظ، وهذا يسيرٌ لا مشقة فيه، وإن لم يكن صاحب سلس فإذا انتقض وضوؤه وجبت عليه إعادته عند المالكيةِ وغيرهم كما سبق في كلام الدسوقي .
وأما ترك التحفظ لمن سماه المالكية بالمستنكح فقد بينا حكم العمل به في الفتوى رقم: 114820.
والله أعلم .