عنوان الفتوى : ضرر الإقامة في بلاد الكفر أكبر من نفعه
تشتتنا لكثرة ما نجد من فتاوى مختلفة وأحيانا متعاكسة بشكل كلي لأمر ما، ومنها ما أحاول الوصول له من فتوى لأمري... قضيتي هي: أنا شخص من سوريا كنت أعيش هناك ضمن ظروف مادية متوسطة ليست بالسيئة و ليست بالجيدة وفيه شخص قريب لي يعيش في كندا منذ حوالي الثلاثين عاما وله ابنة بسن الزواج كتب الله لي و لها أن نتزوج و من ثم سافرنا إلى بلدها كندا للعيش هناك، وكان مخططي أن أعمل على تحسين المستوى المادي لي والعودة إلى بلدي، وبدأت بالعمل بكندا وكما تعلمون بأن العمل هنا لا يخلو من التعامل بالربا والفائدة لأنه لا يمكن التعامل بالنقود الكاش و كل شيء يجب أن يذهب للبنك وعليه تقوم الفائدة، وأيضا حصلت على قرض من البنك ككل الناس هنا لكي أشتري بيتا أسكن فيه و طبعا هذا القرض به فوائد هذا من الناحية المادية ناهيك عن باقي النواحي والتي تعرفونها و يمكن أن أجملها بكلمة واحدة و هي أن المجتمع هنا مجتمع كافر، وأننا نرى في الشارع في المحل وفي كل مكان ما لا يسر المسلم، وأيضا ما نراه من أحوال الشباب المسلم الذين ولدوا هنا من تقليد للكفار في أغلب عاداتهم، ومنهم من وصل لأكثر من هذا، وبعد أربع سنوات من زواجنا رزقنا الله بطفلة وعمرها الآن عام واحد، وبدأ تفكيري ينصب على تربية هذه الطفلة في جو إسلامي و بعيد كل البعد عما هو عليه هنا، و بدأت أفكر بالعودة إلى بلدي علما بأن السبب الوحيد الذي أخرجني من بلادي هو السبب المادي و لم يكن سيئا لدرجة كبيرة قبل سفري الآن و بعد أن اشتريت بيتا في بلدي و طرحت الموضوع على زوجتي و أهلها فاشترطوا علي أن يكون البيت جاهزا هناك و أيضا طلبوا أن أتريث قليلا حتى تتسنى لهم جميعهم الفرصة للذهاب هناك، ومع شكي بأنهم لن يرجعوا إلى هناك للعيش الدائم لما أراه من تصرفاتهم و من أحاديثهم فقد بدأت بمشروع تجهيز البيت بشكل كلي هناك.. و ما أريده الآن هو: هل بقائي في هذا البلد يعتبر حراما ضمن الظروف التي شرحتها سابقا، وبحال لم توافق زوجتي على الذهاب معي و بدأت تختلق الأعذار فهل طلاقي لها لهذا السبب فيه شيء من الظلم مني لها، وماذا لو أبقت الطفلة معها علما بأن القانون هنا يعطيها هذا الحق وأيضا يلزمني باعطائها نصف ما أملك إضافة إلى نفقة شهرية للطفلة، وطبعا بناء على القانون ستكون النفقة بالدولار و أنا إن ذهبت فلن يكون بمقدوري دفع تلك النفقة، فهل إن لم أدفعها أكون آثما؟ و بالنسبة للبيت الذي اشتريته هناك في سوريا فإنه من عملي هنا وهذا كما قلت سابقا لا يخلو من فائدة علما بأن العمل هو عمل مشروع و لكن المشكلة في الفائدة من البنوك و غير ذلك من التعاملات.. أتمنى منكم بارك الله فيكم أن ترشدوني لما ترونه الأفضل ضمن الظروف السابقة وإن كان هناك أي جانب آخر يجب توضيحه لتكون الفتوى صريحة وواضحة فإني على استعداد لأي توضيح آخر.. بانتظار ردكم بارك الله بكم و أتمنى أن لا يطول الأمر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك أولاً إلى أن الواجب على كل مسلم أن يحترم أهل العلم والفضل، وأن يعرف لهم قدرهم ومنـزلتهم التي أكرمهم الله بها، وأن يمسك لسانه عن الطعـن فيهم، وقد روى أحمد والحاكم عن عبادة بن الصامت قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. والحديث حسنه الألباني. ومع هذا فإن العلماء غير معصومين من الخطأ، ولكنهم مأجورون على اجتهادهم ولو أداهم إلى الخطأ، فعن عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. متفق عليه. فهذا الحديث صريح في أن الحاكم يخطئ ولكنه معذور في خطئه. وراجع في ذلك فتاوانا : 6506، 33346، 76964. وننبه أيضاً على أن الفتوى من الأمور الجليلة الخطيرة التي لها منزلة عظيمة في الدين، و من فضل الله وكرمه أن أصول الدين، وقطعيات الإسلام، وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع، لم تختلف فيها الأمة، فتلك المسائل ليست محلاً للاجتهاد أصلاً، ولكن شاء الله أن يختلف الناس في أفهامهم ومداركهم، وجعل سبحانه كثيراً من أدلة الشريعة محتملاً أكثر من دلالة، فنتيجة لذلك وقع الخلاف بين علماء المسلمين في المسائل الفرعية الاجتهادية، لكنهم ما تعمدوا خلاف نصوص الشرع، فدين الله في قلوبهم أعظم وأجل من أن يقدموا عليه رأي أحد من الناس، أو يعارضوه برأي، أو قياس. و المسلم إذا وقف على خلاف لأهل العلم في مسألة من المسائل، وكان من طلبة العلم وله ملكة يستطيع بها المقارنة بين أقوال العلماء والنظر في أدلتهم ووجوه استدلالهم والترجيح بينها فعليه أن يختار من أقوالهم ما يظهر له أنه أقرب إلى الصواب فيتعبد الله تعالى به، وأما إن كان عامياً ولا يستطيع النظر في الأدلة والترجيح بين الأقوال فعليه أن يقلد من يرى أنه أكثر علماً وورعاً. وراجع في ذلك الفتويين: 96603، 105068. أما بخصوص ما تسأل عنه: فلا نرى أنه يجوز لك الاستمرار في الإقامة في هذه البلاد، فإن الإقامة في ديار الكفر غير جائزة إلا لضرورة أو حاجة ملحة بشرط أن يتمكن من أقام في هذه البلاد من القيام بأمور دينه وشعائره، فالإقامة ببلاد الكفار من الأسباب الموجبة لفساد الدين وضياع الخلق، ومعلومٌ ما في هذه البلاد من انحلال وفساد وضياع إلى أبعد الحدود وأقصى الغايات، وضرر الإقامة بهذه البلاد أكبر من نفعها وذلك لما فيها من مجاورة الكافرين، وكثرة مشاهدة المنكرات، وعدم استطاعة تغييرها. وقد حذر منها فيما رواه أبو داود عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. وصححه الألباني. ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 2007، 7930، 114297. وما ذكرته من ظروفك لا نرى فيه مسوغاً للإقامة بتلك البلاد، فالذي ننصحك به ترك الإقامة بهذه البلاد والسعي في إقناع زوجتك بشتى الطرق لذلك، فإن أبت ترك هذه البلاد فلا نرى حرجاً في طلاقها فإن السلامة في الدين لا يعدلها شيء، والواجب عليك في حالة طلاقها هو ما يوجبه الشرع لا القانون وراجع في بيانه فتوانا رقم: 112055، وعليك أن تسعى بكل ما يمكنك في أخذ ابنتك لتعيش معك في بلدك ولا تتركها في هذه البلاد الفاسدة ، علماً بأنه يجب عليك النفقة على ابنتك وعليك السعي في إيصال النفقة إليها قدر الإمكان. ويجب عليك المبادرة إلى التوبة مما وقعت فيه من محرمات من قرض ربوي أو تعامل ربوي أو غير ذلك من المحرمات، والمال المكتسب من مباشرة عمل محرم أو الإعانة عليه يجب التخلص منه بإنفاقه في مصالح المسلمين أو التصدق على الفقراء والمساكين. أما إذا كان أصل العمل الذي تعمل به مباحا ـ كما ذكرت في سؤالك ـ ولكن يقوم أصحاب الشركة بالاقتراض بالربا أو غير ذلك من المحرمات، فلا حرج في الانتفاع بالراتب الذي أخذته. أما البيت ذاته فهو مباح لك على كل حال ما دمت حصلت عليه بعقد شراء شرعي، وراجع الفتوى رقم: 63801. نسأل الله عز وجل أن ييسر لك أمرك ويصلح لك زوجك . والله أعلم. |