عنوان الفتوى : السكنى مع بنات فاسقات والأكل من طعامهن وقبول هبتهن
أسكن مع بنات وهؤلاء البنات هن بنات ليل و من طيبتهن كن يدعونني إلى الطعام و آكل معهن بل تصدقوا علي ببعض الملابس والمكياج و قد قبلتها الآن أعاني من تأنيب الضمير من الأكل، أما الملابس و الماكياج فلم أستعملهم لكن أحتفظ بهم فأجيبوني و ادعوا لي بالاستغفار؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كنت تقصدين بقولك "بنات ليل" أنهن زانيات, فالزواني فاسقات خبيثات هكذا وصفهن الله في كتبه, فقال سبحانه: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ {النور : 26}.
يقول ابن القيم: فإن الزانية خبيثة كما تقدم بيانه. انتهى.
فلا يجوز لك بعد ذلك وصفهن بالطيبات، أما بخصوص سكنك معهن فهذا لا يجوز لأن الصاحب المخالط يتأثر ولا بد بأخلاق صاحبه, وكما قيل الصاحب ساحب , فلا تأمنين – حال سكنك - أن يفسدن عليك دينك وخلقك بسبب فسوقهن وعصيانهن, فينبغي هجرهن ومفارقتهن, فقد قال الله سبحانه: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ {هود:113}.
قال القرطبي: الصحيح في معنى الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإنَّ صُحبتهم كفر أو معصية، إذْ الصحبة لا تكون إلا عن مودة. انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وفي الصحيحين عنه أنه لما اجتاز بديار ثمود قال : { لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ؛ فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لئلا يصيبكم ما أصابهم } فنهى عن عبور ديارهم إلا على وجه الخوف المانع من العذاب . وهكذا السنة في مقارنة الظالمين والزناة وأهل البدع والفجور وسائر المعاصي لا ينبغي لأحد أن يقارنهم ولا يخالطهم إلا على وجه يسلم به من عذاب الله عز وجل وأقل ذلك أن يكون منكرا لظلمهم ماقتا لهم شانئا ما هم فيه بحسب الإمكان كما في الحديث : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. انتهى.
أما بخصوص كسب الزانية فإنه سحت محرم فإن كان ما أطعموك من طعام وما أعطوك من ملابس ونحوها من عين المال المحرم فلا يخلو الحال من أمرين: إما أن تكوني فقيرة محتاجة لهذا المال وهذا هو الظاهر من كلامك حيث ذكرت أن هذا كان على وجه الصدقة فعندها يجوز لك أخذه والانتفاع به, أما إذا كنت مستغنية وكان هذا على سبيل الهبة فإنه لا يجوز لك الانتفاع به أصلا, ولا يجوز كذلك رده لهن لأنه لا يحل لهن أيضا ولكن تصدقي به على أهل الفقر والحاجة, هذا بالنسبة للملابس ونحوها، أما بالنسبة للطعام الذي طعمتيه, فعليك ضمان قيمته وإخراجها للفقراء والمساكين.
فقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه.
جاء في فتح الباري: قال ابن التين انما استقاء أبو بكر تنزها لأن أمر الجاهلية وضع ولو كان في الإسلام لغرم مثل ما أكل أو قيمته ولم يكفه القيء كذا قال والذي يظهر أن أبا بكر انما قاء لما ثبت عنده من النهي عن حلوان الكاهن ، وحلوان الكاهن ما يأخذه على كهانته والكاهن من يخبر بما سيكون عن غير دليل شرعي وكان ذلك قد كثر في الجاهلية خصوصا قبل ظهور النبي صلى الله عليه و سلم. انتهى.
أما إذا كانت هذه الهبة من مالهم المختلط حلاله بحرامه , ولم تكن من عين المال الحرام فإنه يجوز لك الانتفاع بها.
فقد سئل ابن تيمية رحمه الله عن رجل معه مال من حلال وحرام فهل يجوز لأحد أن يأكل من عيشه أم لا؟ فأجاب: إن عرف الحرام بعينه لم يأكل حتما وإن لم يعرف عينه لم يحرم الأكل منه , لكن إذا كثر الحرام كان متروكا ورعا. انتهى
وقد يترجح الأكل والأخذ في حال كون المال مختلطا إذا كنت تؤملين من ذلك مصلحة وذلك كتألفهن مثلا حتى تتمكنين من تذكيرهن بالله وتحريضهن على التوبة وترك المنكرات ونحو ذلك, أما إذا لم تكن هناك مصلحة فالظاهر أنه يترجح ترك هذه الهبات وردها ليس لكونها في ذاتها محرمة, بل لأن مثل هؤلاء يجب هجرهن ومقاطعتهن وإنكار أفعالهن كما سبق ولا شك أن الهدية لا تحقق هذا المقصود بل تحقق عكسه من التواد والتآلف.
والله أعلم.