عنوان الفتوى : إطلاق لفظ الرب مقيدا على السيد
سؤالي عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قول : ( أطعم ربك ) ، وقول المولى جل وعلا في سورة يوسف عليه السلام : ( أما الآخر فيسقي ربه خمرا ) ، فكيف الجمع بين النصين ؟
الحمد لله
أولا :
وردت في هذه المسألة بعض النصوص التي ظاهرها التعارض :
فقد جاء في السنة النبوية نهي عن استعمال لفظ العبودية أو الربوبية مضافا لغير الله
تعالى :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لاَ يَقُلْ
أَحَدُكُمْ : أَطْعِمْ رَبَّكَ ، وَضِّئْ رَبَّكَ ، اسْقِ رَبَّكَ . وَلْيَقُلْ
سَيِّدِي مَوْلاَي . وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي . وَلْيَقُلْ فَتَاي
وَفَتَاتِي وَغُلاَمِي ) رواه البخاري (2552) ومسلم (2249) ، وزاد فيه : ( ولا يقل
أحدكم ربي ) .
ولكن جاء في القرآن الكريم ، وفي السنة الصحيحة أيضا ، ما يدل على استعمال هذه
الألفاظ مضافة لغير الله تعالى .
يقول الله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ
عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/32 ، وقال
سبحانه : ( قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا
يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) يوسف/23 ، وقال عز وجل : ( وَقَالَ
لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ
الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ )
يوسف/42 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل عليه السلام حين سأله عن أمارات
الساعة : ( أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ) رواه مسلم برقم (8) ، وأصله
في البخاري برقم (50) .
وقال صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل : (فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا )
رواه البخاري (91) ومسلم (1722) ، وقال صلى الله عليه وسلم :
( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ ، حَتَّى
يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ ) رواه البخاري (1412)
ومسلم (157) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمولاه : ( وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ
وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ ) رواه البخاري (3059) .
ثانيا :
تعددت أجوبة العلماء على هذا التعارض :
1. فذهب بعضهم إلى أن الجواز كان في شرع من قبلنا ، ولذلك استعملها النبي يوسف عليه
السلام ، أما في شرعنا فلا يجوز .
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (9/250) : " فإن احتج محتج بقول يوسف عليه
الصلاة والسلام : ( إنه ربى أحسن مثواي ) ، وقوله : ( اذكرني عند ربك ) ، فتلك
شريعة وهذه أخرى ، وتلك لغة وهذه أخرى ، وقد كان هذا مباحا عندنا وفي شريعتنا حتى
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (15/118) : " فإن قيل :
لا ريب أن يوسف سمى السيد ربا في قوله : ( اذكرني عند ربك ) ، وقوله : ( ارجع إلى
ربك ) ونحو ذلك ، وهذا كان جائزا في شرعه ، كما جاز في شرعه أن يسجد له أبواه
وإخوته ، وكما جاز في شرعه أن يؤخذ السارق عبدا ، وإن كان هذا منسوخا في شرع محمد
صلى الله عليه وسلم " انتهى .
2. وذهب بعض أهل العلم إلى تخصيص النهي بالذي يضيف اللفظ إلى نفسه ، فيقول : عبدي ،
وأما إذا قال : هذا عبدك : فلا بأس .
قال ابن حزم رحمه الله : " لا يجوز للسيد أن يقول لغلامه : هذا عبدي ، ولا لمملوكته
: هذه أَمَتي ، لكن يقول : غلامي وفتاي ومملوكي ومملوكتي وخادمي وفتاتي .
ولا يجوز للعبد أن يقول : هذا ربي ، أو مولاي ، أو ربتي ، ولا يقل أحد لمملوك : هذا
ربك ، ولا ربتك ، لكن يقول : سيدي .
وجائز أن يقول المرء لآخر : هذا عبدك ، وهذا عبد فلان ، وأمة فلان ، ومولى فلان ؛
لأن النهى لم يرد إلا فيما ذكرنا فقط ، وجائز أن يقول : هؤلاء عبيدك ، وعبادك ،
وإماؤك " انتهى .
"المحلى" (9/249) .
3. النهي للكراهة وليس للتحريم .
وهو توجيه أكثر الشراح والفقهاء .
4. النهي هو عن اتخاذ ذلك عادة ، وليس عن استعماله أحيانا .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (15/6) : " الجواب من وجهين :
أحدهما : أن الحديث الثاني لبيان الجواز ، وأن النهي في الأول للأدب وكراهة التنزيه
لا للتحريم .
والثاني : أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة ،
ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال ، واختار القاضي هذا الجواب " انتهى
.
وقال رحمه الله أيضاً : " قال العلماء : وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه : ربي ؛
لأن في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية .
وأما حديث : ( حتى يلقاها ربها ) فإنما استعمل لأنها غير مكلفة ، فهي كالدار والمال
، ولا شك أنه لا كراهة في قول : رب الدار ، ورب المال .
وأما قول يوسف صلى الله عليه وسلم : ( اذكرني عند ربك ) فعنه جوابان :
أحدهما : أنه خاطبه بما يعرفه ، وجاز هذا الاستعمال للضرورة ، كما قال موسى صلى
الله عليه وسلم للسامري : ( وانظر إلى إلهك ) طه /97 ، أي :
الذي اتخذته إلها .
والجواب الثاني : أن هذا شرع من قبلنا ، وشرع من قبلنا لا يكون شرعا لنا إذا ورد
شرعنا بخلافه ، وهذا لا خلاف فيه " انتهى .
"الأذكار" (ص/363) .
وقال القرطبي رحمه الله :
" قال العلماء : قوله عليه السلام: ( لا يقل أحدكم ) ، ( وليقل ) : من باب الإرشاد
إلى إطلاق اسم الأولى ، لا أن إطلاق ذلك الاسم محرم ، ولأنه قد جاء عنه عليه السلام
: ( أن تلد الأمة ربها ) أي : مالكها وسيدها ، وهذا موافق للقرآن في إطلاق ذلك
اللفظ ، فكان محل النهي في هذا الباب ألا نتخذ هذه الأسماء عادة فنترك الأولى
والأحسن .
وقد قيل : إن قول الرجل عبدي وأمتي يجمع معنيين :
أحدهما : أن العبودية بالحقيقة إنما هي لله تعالى ، ففي قول الواحد من الناس
لمملوكه عبدي وأمتي تعظيم عليه ، وإضافة له إلى نفسه بما أضافه الله تعالى به إلى
نفسه ، وذلك غير جائز.
والثاني : أن المملوك يدخله من ذلك شيء في استصغاره بتلك التسمية ، فيحمله ذلك على
سوء الطاعة .
وقال ابن العربي : يحتمل أن يكون ذلك جائزا في شرع يوسف عليه السلام " انتهى
.
"الجامع لأحكام القرآن" (9/195) .
وانظر جواب السؤال رقم (114749)
.
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
إطلاق لفظ الرب مقيدا على السيد |