عنوان الفتوى : حكم زواج " الخنثى " و " العاجز جنسيّاً " ، والفرق بينهما
يريد خطبتي شخص عاجز جنسيّاً ، ويقول إنه " خنثى " ، وبصراحة أنا لم أفهم هذه الكلمة ، فهل أقبل به أم لا ؟ مع العلم أني تعرضت في صغري لحادث ، ولا أعرف إذا أنا بكر أو لا .
الحمد لله
أولاً:
1. الخنثى في اللغة : الذي لا يخلُص لذكر ولا أنثى ، أو الذي له ما للرجال والنساء
جميعا ، مأخوذ من الخنث ، وهو اللين والتكسر ، يقال : خنثت الشيء فتخنث ، أي :
عطفته فتعطف ، والاسم الخنث .
وفي الاصطلاح : من له آلتا الرجال والنساء ، أو من ليس له شيء منهما أصلا ، وله ثقب
يخرج منه البول .
2. المخنَّث بفتح النون : هو الذي يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والحركة
ونحو ذلك ، وهو ضربان :
أحدهما : من خُلق كذلك ، فهذا لا إثم عليه .
والثاني : من لم يكن كذلك خلقة ، بل يتشبه بالنساء في حركاتهن وكلامهن ، فهذا هو
الذي جاءت الأحاديث الصحيحة بلعنه . فالمخنث لا خفاء في ذكوريته بخلاف الخنثى .
3. ينقسم الخنثى إلى مُشكِل وغير مُشكِل :
أ. الخنثى غير المشكل :
من يتبين فيه علامات الذكورة أو الأنوثة ، فيعلم أنه رجل ، أو امرأة ، فهذا ليس
بمشكل ، وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة ، أو امرأة فيها خلقة زائدة ، وحكمه في إرثه
وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه .
ب. الخنثى المشكل :
هو من لا يتبين فيه علامات الذكورة أو الأنوثة ، ولا يعلم أنه رجل أو امرأة ، أو
تعارضت فيه العلامات .
فتحصل من هذا أن المشكل نوعان :
نوع له آلتان ، واستوت فيه العلامات ، ونوع ليس له واحدة من الآلتين وإنما له ثقب .
4. ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخنثى قبل البلوغ إن بال من الذكَر : فغلام ، وإن بال
من الفرج : فأنثى .
وأما بعد البلوغ فيتبين أمره بأحد الأسباب الآتية :
إن خرجت لحيته ، أو أمنى بالذكر ، أو أحبل امرأة ، أو وصل إليها : فرجُل ، وكذلك
ظهور الشجاعة والفروسية ، ومصابرة العدو دليل على رجوليته كما ذكره السيوطي نقلا عن
الإسنوي .
وإن ظهر له ثدي ونزل منه لبن أو حاض ، أو أمكن وطؤه : فامرأة ، وأما الولادة فهي
تفيد القطع بأنوثته ، وتقدم على جميع العلامات المعارضة لها .
وأما الميل : فإنه يستدل به عند العجز عن الإمارات السابقة ، فإن مال إلى الرجال
فامرأة ، وإن مال إلى النساء فرجل ، وإن قال أميل إليهما ميلا واحدا ، أو لا أميل
إلى واحد منهما فمشكل .
قال السيوطي : وحيث أطلق الخنثى في الفقه ، فالمراد به المشكل .
انتهى باختصار من " الموسوعة الفقهية " ( 20 / 21 – 23 ) .
ثانياً:
الخنثى – ونعني به الخنثى المشكل - له آلة ذكر وآلة أنثى ، وهو نوعان : نوع لا يجزم
بترجيح كونه من أحد الجنسين ، ونوع يُعلم ذلك ، ومن العلامات : الميل ، فإن كان
ميله لأنثى فهو رجل ، وإن كان ميله لرجل فهو أنثى .
والعاجز جنسيّاً هو رجل يملك آلة الذكورة لكن لعلة مرضية ، أو نفسية ، أو عصبية ،
أو غيرها من الأسباب لا يقوى على الجماع ، وبالتالي لن يكون منه جماع ، ولا متعة ،
ولا إنجاب .
وبه يتبين أنه ليس كل عاجز جنسيا خنثى ، فقد يكون عاجزا جنسيا لعلة مرضية ، لا
علاقة لها بالتخنث ، وقد يكون خنثى ، غير أنه قادر جنسيا على الوطء ونحوه .
أ. أما بخصوص زواج " الخنثى " : فإن كان " غير مشكل " : فبحسب حاله يزوَّج من الجنس
الآخر ، وإن كان " مشكِلاً " : فإنه لا يصح تزوجه ، والسبب : أنه محتمل أن يكون
ذَكراً فكيف يتزوج ذكراً ؟! ويحتمل أن يكون أنثى فكيف يتزوج أنثى مثله ؟! فإن مال
إلى أنثى وادَّعى أنه رجل : كان ذلك علامة على ترجيح ذكوريته ، وكذا العكس .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
ولا يخلو الخنثى من أن يكون مشكلاً ، أو غير مشكل : فإن لم يكن مشكلاً ، بأن تظهر
فيه علامات الرجال : فهو رجل له أحكام الرجال ، أو تظهر فيه علامات النساء : فهو
امرأة له أحكامهن ، وإن كان مشكلاً فلم تظهر فيه علامات الرجال ولا النساء : فاختلف
أصحابنا في نكاحه ، فذكر الخرقي أنه يرجع إلى قوله ، فإن ذكر أنه رجل ، وأنه يميل
طبعه إلى نكاح النساء : فله نكاحهن ، وإن ذكر أنه امرأة يميل طبعه إلى الرجال :
زوِّج رجلاً ؛ لأنه معنى لا يتوصل إليه إلا من جهته ، وليس فيه إيجاب حق على غيره ،
فقُبل قوله فيه كما يقبل قول المرأة في حيضها ، وعدتها ، وقد يَعرف نفسه يميل طبعه
إلى أحد الصنفين ، وشهوته له ؛ فإن الله تعالى أجرى العادة في الحيوانات بميل الذكر
إلى الأنثى ، وميلها إليه ، وهذا الميل أمر في النفس والشهوة لا يطلع عليه غيره ،
وقد تعذرت علينا معرفة علاماته الظاهرة ، فرُجع فيه إلى الأمور الباطنة فيما يختص
هو بحكمه .
" المغني " ( 7 / 619 ) .
والقول بأن الخنثى المشكل لا يصح تزوجه : هو قول جمهور العلماء ، وماذا يفعل ـ إذاً
ـ إن كان له ميل إلى الشهوة ؟ الجواب : أن نقول له : اصبر ، حتى يغير الله من حالك
إلى حال أحسن منه .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
و " الخنثى المشكل " في باب النكاح : مَن له آلة ذكر ، وآلة أنثى ، أي : له عضو ذكر
، وفرج أنثى ، ولم يتبين أهو ذكر أو أنثى ، بأن كان يبول منهما جميعاً ، ولم يحصل
له شيء يميزه ، أذكر هو أو أنثى ، فهذا لا يصح أن يتزوج ، فلا يتزوج أنثى ، ولا
يتزوج ذكراً ، لا يتزوج أنثى لاحتمال أن يكون أنثى ، والأنثى لا تتزوج الأنثى ، ولا
يتزوج ذكراً لاحتمال أن يكون ذكراً ، والذكر لا يتزوج الذكر ، فيبقى هكذا لا يتزوج
إلى أن يتبين أمره ، فإذا تبين أمره : فإن كان من الذكور : تزوج الإناث ، وإن كان
من الإناث : تزوجه الذكور ، فهذا حرام إلى أَمَد ، حتى يتبين أمره .
" الشرح الممتع " ( 12 / 160 ) .
وقال الشيخ – رحمه الله – متمماً - :
وإذا كان له شهوة ، وهو الآن ممنوع شرعاً من النكاح ، فماذا يصنع ؟ نقول له :
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر
وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم ) ، فنقول له : صم ، فإذا قال : لا أستطيع
الصوم : فإنه يمكن أن يعطى من الأدوية ما يهون عليه الأمر ، وهو أحسن من قولنا :
أخرج المني بطرق غير مشروعة .
" الشرح الممتع " ( 12 / 161 ) .
ب. وأما بخصوص زواج " العاجز جنسيّاً " : فليس في الشرع ما يمنع منه ، ولكن لا بدَّ
أن يبين لمن يريد التزوج بها حقيقة حاله ، وإلا أثم ، وكان لها حق فسخ النكاح ؛ لأن
المتعة والولد مقصودان عظيمان من الزواج ، وهما من الحقوق المشتركة بين الزوجين .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 31 / 16 ) :
العُنَّة : عيب يجعل للزوجة الخيار في طلب الفرقة عن زوجها ، بعد إمهال الزوج سنَة
، عند جمهور الفقهاء .
واختار جماعة من الحنابلة ، منهم أبو بكر ، والمجد – أي : جد ابن تيمية - أن لها
الفسخ في الحال .
واستدل الجمهور بما روي أن عمر رضي الله عنه أجل العنِّين سنَة ؛ ولأن مقصود الزوجة
أن تستعف بالزواج ، وتحصل به صفة الإحصان لنفسها ، وفوات المقصود بالعقد أصلا يثبت
للعاقد حق رفع العقد ، وقد أجمعوا على ثبوت الخيار في البيع بالعيوب لفوات مالية
يسيرة ، ففوات مقصود النكاح أولى . انتهى.
ولكن قد ترضى امرأة لا شهوة لها ، لمرَض ، أو كبَر سنٍّ ، فما المانع من أن يتزوجها
للخدمة ، والأنس ، والنفقة ، والحماية ، وغير ذلك من مقاصد النكاح الأخرى ؟ .
قال الشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان الحنبلي – رحمه الله - :
ويباح - أي : الزواج - لمن لا شهوة له ، كالعنِّين ، والكبير ؛ لعدم منع الشرع منه
.
" منار السبيل " ( 2 / 91 ) .
والعنِّين هو : العاجز عن الوطء ، وربما اشتهاه ، ولكن لا يستطيعه .
ويسقط حق الزوجة بالفسخ إن علمت بضعف زوجها الجنسي ورضيت بالبقاء معه .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله :
قوله : " ولو قالت في وقت : رضيت به عنيناً : سقط خيارها أبداً " ، كامرأة رضيت
بزوجها عنيناً ، ثم أصابها ما يصيب النساء من شهوة النكاح، فأرادت أن تفسخ : نقول :
لا خيار لكِ ، فإن قالت : ذاك الوقت أنا معجبة به وراضية ، لكن طالت المدة ، وأنا
الآن لا أريده ، فنقول: لا خيار لك؛ لأن التفريط منك.
" الشرح الممتع " ( 12 / 211 ) .
وانظر أجوبة الأسئلة : (102553)
و ( 10620 ) .
والخلاصة : أن الخنثى : إن كان لا يُدر في حقيقة الأمر : أذكر هو أم أنثى ، لم يجز
تزويجه ، وإن كان قد تبين من حاله أنه ذكر : فالزواج به صحيح ، على أنه ينبغي في
مثل هذه الحال أن يستعان برأي طبيب ثقة ، متخصص في الباب : علم الوراثة ، أو نحو
ذلك ، ليبين حاله ، ومدى إمكان الزواج به .
وأما الضعيف جنسيا ، أو حتى العاجز : فالزواج به صحيح ، لكن يجب عليه بيان حاله قبل
الزواج ، فإن تبين حاله : صح الزواج به ، لمن علم أنه يمكنه عشرته على ذلك ، كأن
تكون هي الأخرى لا شهوة لها في الرجال ، وأما فتاة شابة ، ترغب في الزواج ، كما
يرغب مثلها ، فلا ننصحها بالإقدام على ذلك ، لأنها قد تظن في نفسها الصبر على مثل
ذلك ، ثم لا تصبر، وقد تفكر في الحرام ، عياذا بالله ، لتعويض ما فاتها .
وأيا ما كان أمره : فالذي ننصحك به ألا تقدمي على المخاطرة ، والتغرير بنفسك ،
بقبول الزواج ممن هذه حاله .
والله أعلم