عنوان الفتوى : لم يسو أبوهم بينهم في العطية فماذا يفعلون بعد مماته
اشترى أبي قطعة أرض في السادس من أكتوبر لبناء عمارة سكنية لي ولإخوتي نحن بنتان وولدان وقامت أمي بدفع قيمة عمل الأساسات وقام أخي الأكبر بدفع تكاليف بناء العمارة كاملة حتى تشطيبها حتى أصبحت خمسة أدوار كاملة هناك عقد تمليك بقيمة شقتين لأخى الأكبر وعقد تمليك بشقة لأختي وشقة أخرى باسم والدتي وشقة باسم والدي توفي أبي منذ ثلاث سنوات وتوفيت أمي منذ أسبوعين، فما حكم الشرع في ميراث هذه العمارة، علما بأن أبي ترك شقته التي كان يقيم بها في مكان آخر لأخي الأصغر ليتزوج بها وكتبها باسمه، وهل تقدر قيمة الأرض بالسعر الحالي أم بسعرها وقت الشراء، وما هو نصيب أخي الأصغر من هذه العمارة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان ما تم هو مجرد كتابة الوالد أملاكه باسم والدتك وإخوتك بدون حقيقة التمليك وبدون توفر شروط نفاذ الهبة، فلا يعتبر ذلك هبة صحيحة شرعاً، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 36133، والفتوى رقم: 58686.
وتعتبر هذه الأملاك داخلة في الميراث وتقسم حسب الأنصبة الشرعية، أما إذا كانت الكتابة على سبيل الهبة وقد تمت بشروطها بحيث كان الواهب مؤهلاً للتصرف وقت الهبة وتمت حيازتها من طرق الموهوب له حيازة تامة بحيث يصبح متصرفاً فيها تصرف المالك في ملكه، ويرفع الواهب عنه يده تماماً، فالهبة صحيحة، ولكن الواجب على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية، وإن خص الأب بعض أبنائه بعطية أو فاضل بينهم بدون داع إلى ذلك أثم ووجبت عليه التوبة بأحد أمرين، إما برد ما فضل به البعض وإما بإعطاء الآخر ما يتم نصيبه، قاله ابن قدامة في المغني، فإن مات الأب قبل أن يرجع عن جوره فلا يخلو من حالين:
الأول: أن تكون عطيته قد حصلت منه في حال صحته فتثبت العطية على ما فيها من الجور والمفاضلة عند أكثر أهل العلم، لكن يدعى الورثة إلى تحقيق العدل وتصحيح القسمة، ويرغبون في ذلك، وقال أحمد في رواية: إن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن فضل بعض أولاده في الهبة: يجب عليه أن يرد ذلك في حياته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين أيضاً طاعة لله ولرسوله، ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. انتهى.
الثاني: أن تكون عطيته وقسمته الجائرة قد حصلت في حال مرض الموت أو المرض المخوف الذي يكثر حصول الموت منه فلا تنفذ، ويعاد تقسيم التركة طبقاً للقسمة الشرعية لا يحرم منها وارث، وقد سبق بيان ذلك كله في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6242، 14254، 8147، 93877، 102163، 100796.
فإذا كان هناك مسوغ شرعي لما قام به والدك من إعطاء الشقق المذكورة لإخوتك أو كان ما أعطاه للأخ الأكبر مقابل ما دفعه من تكاليف البناء وفي هذه الحالة يتم تقسيم باقي التركة على الورثة الشرعيين للذكر مثل حظ الأنثيين، أما إذا كان ما فعله والدكم من عدم التسوية بينكم في الهبة بغير مسوغ شرعي وكان ذلك في حال الصحة وتمت الحيازة الشرعية فقد ثبتت الهبة عند جمهور أهل العلم، والأحوط والأولى أن يرد كل وارث ما أخذه وتقتسمون التركة كلها طبقاً للقسمة الشرعية فإن في ذلك تحقيقا للعدل وإبراء لذمة والدكم، وفي هذه الحالة فما أنفقه الأخ الأكبر من تكاليف البناء يجوز له الرجوع فيه وأخذ مقدار ما أنفقه من مال إذا لم يكن متبرعاً بهذا المال، ولك أن تراجعي في ذلك الفتوى رقم: 96917، والفتوى رقم: 106691.
وعلى كل حال يكون تقدير التركة في وقت التقسيم، لأن هذه الممتلكات تبقى ملكيتها مشتركة بين الجميع إلى أن يتم التقسيم، هذا مع التنبيه على أن تقسيم التركة يكون بعد الوفاء بالدين، وإنفاذ الوصية في الثلث إذا كان هنالك دين أو وصية، ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.