عنوان الفتوى : سؤال العامي المفتي المعروف بالتساهل وتتبع الرخص

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هنا في بلدنا يقول المفتي بجواز التعامل مع البنوك ، وأنها ليست ربا . ويقول للمرأة المنتقبة أن تتقي الله ولا تنصح أختها التي ترتدي البنطال . فهل على عامة الناس شيء ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.


أمر الله تعالى الجاهل أن يسأل أهل العلم والذكر ، فقال : ( فاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43 ، فهذه فريضة الله على الجاهل ، أن يسأل أهل العلم فيما سيقدم عليه من عبادة أو معاملة ، فإن قصر في ذلك كان عاصيا آثما .
ولاشك أن مفتي البلد ينبغي أن يكون أحق من يسأل ويستفتى ، ولكن لا يجوز حصر الفتوى على المفتي الرسمي للدولة فقط ، فإن منصب المفتي الرسمي للدولة لم يعرفه المسلمون إلا من نحو مائتي سنة ، وعاش المسلمون نحواً من ألف ومائتي سنة ، يسألون كل من يثقون بدينه وعلمه ، ولم تكن الفتوى محصورة في شخص معين ، وبعد استحداث هذا المنصب ، يجب على الحاكم أن يختار له أوثق الموجودين في دينه وعلمه ، فإن لم يفعل ذلك ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ، وضيع الأمانة الموضوعة في عنقه ، والتي سيسأل عنها يوم القيامة.

وإذا عرف عن الشخص ـ مفتياً رسمياً أو غيره ـ اتباع الهوى ، وتحليل الحرام ، والتساهل في الأحكام الشرعية ، لم يجز الرجوع إليه ، وكان على السائل أن يلجأ إلى من يثق في دينه وتقواه وعلمه .
والفوائد البنكية ربا محرم لا شك فيه ، وليس مع من يبيحها مستند صحيح ، ولهذا اتفقت كلمة العلماء المعتبرين على تحريمها ، وصدر بذلك قرارات عدة من المجامع الفقهية المعتبرة ، كمجمع البحوث الإسلامية ، ومجمع الفقه الإسلامي ، وينظر جواب السؤال رقم (45691) .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (22652) موقف المسلم من اختلاف العلماء والمفتين ، وأنه إن كان طالب علم لزمه العمل بالدليل والأخذ بالراجح ، وإن كان عاميا فعليه الأخذ بقول الأوثق علما ودينا .
والعامي لا يخفى عليه – غالبا- حال المتلاعب بالدين ، المتتبع للرخص ، الذي يفتي حسب ما ُيملى عليه وُيطلب منه ، وبعض أصحاب المناصب الدينية الرسمية قد سقطوا من أعين الناس ، ولم تعد لأقوالهم قيمة ، بل كثير ما يتخذها الناس وسيلة للاستهزاء والسخرية في مجالسهم ، فإن كان الأمر كذلك ، فلا عذر له في تقليد من كان هذا حاله . وأما إن فرض أنه يجهل حاله ، ووثق في منصبه وعلمه فأخذ بقوله ، فهذا معذور قد امتثل ما أُمر به من سؤال أهل العلم .
والحاصل أن العامي مطالب بسؤال أهل العلم ، ومطالب بتقوى الله تعالى في هذا السؤال ، فلا يسأل من لا يثق في دينه وأمانته ، ولا يسأل من يتتبع الرخص ، ولا يسأل هو ليتتبع الرخص.
قال ابن عبد البر رحمه الله : " لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا " انتهى نقلا عن "شرح الكوكب المنير" (4/578).
وهذا مما ابتلي به كثير من الناس اليوم ، يسأل من يثق في دينه ، فإذا أفتاه بما يخالف هواه ، ذهب فسأل غيره ، حتى يحصل على مراده ، وهذا حرام وفسق لا شك فيه .
وأما لبس المرأة الحجاب ، فيجب على المرأة أن تستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب عنها ، بما لا يصف عورتها ، ولا يظهر حجم عظامها ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (11774) و (6991) .
ومن قال من العلماء إن سترها لوجهها وكفيها غير واجب ، فإنه يقول إنه مستحب ومشروع ، ومما يحبه الله .
وعلى هذا ؛ فقد اتفقت كلمة العلماء على مشروعية ستر المرأة لجميع بدنها ، وأن ذلك أفضل وأكمل ، فمن خرج عن هذا الإجماع ، واتبع غير سبيل المؤمنين ، فهو متوعد بقوله تعالى ، (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/115 .

وخروج المرأة بالبنطال أمام الرجال ، منكر ظاهر لا يماري فيه أحد من أهل العلم ، بل أكثر العامة يرون هذا منكرا وتبرجا وإن فعلوه . ومن اعتمد في إباحة ذلك وأشباهه من المحرمات على قول شيخ أو مفت ، فإنما يخدع نفسه ، وعليها يجني ، وله نصيب من قوله تعالى : ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا . وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا . رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) الأحزاب/66-68 ، وقوله : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31 ، وقد روى الترمذي (3095) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ) قَالَ : (أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ)، والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .