عنوان الفتوى : حكم ترك الخشوع في الصلاة
الصلاة أعظم فرض في الإسلام وتركها كفر في رأي أغلب العلماء، ومن الأحاديث التي تذكر أفضالها وخصائصها الكثير، لكن مؤخراً قرأت حديثين الأول: ( إن الرجل لينصرف من صلاته لا يدري كم كُتب له منها نصفها، ثلثها، ربعها، خمسها، سدسها، سبعها، ثمنها، تسعها، عشرها .. ) والآخر: ( إن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة فإن صلحت فقد نجح وإن فسدت خاب وخسر ) ... حسناً نحن نصلي 90 % من صلواتنا بدون خشوع وبسهو وتفكير في أمور الدنيا للأسف، مما يجعلني أشعر أنني أدخل في عموم الحديث أنه ليس لي من صلاتي إلا عشرها أو ربما أقل ولا حوة ولا قوة إلا بالله !! وهل على هذه الحالة أكون من الخاسرين يوم القيامة ؟. وصحيح أن الله غفور رحيم ولكن يجب أن لا نتهاون بالصلاة خاصة !!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فزادكَ الله حرصاً على الخيرِ ورغبةً فيه، وأما قولك إن ترك الصلاةِ كفرٌ في قولِ أغلب العلماء ففيه نظر، فإن جمهورَ العلماء على أن من تركَ الصلاة كسلاً لا يكفر كفراً ناقلاً عن الملة، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي, خلاف لأحمد وطائفة من المحدثين وهو خلافٌ معتبر, وتاركها كسلا على خطر عظيم.
وأما الحديثان اللذان ذكرتهما فصحيحان، وأما حكم الخشوع في الصلاة فأكثرُ العلماء على أنه سنة، وذهب أبو الوفاء بن عقيل من الحنابلة وأبو حامدٍ الغزالي من الشافعية وكثير من المالكية والحنفية إلى أنه واجبٌ يبطل تركه الصلاة عند بعضهم، ولكن المعتمد عند المحققين عدم بطلان الصلاة بتركه، وقد دلت النصوص الثابتة في الصحيحين وغيرهما على أن الاشتغال بالفكرِ في شيءٍ من أمور الدنيا لا يبطل الصلاة، فقد ردَّ النبي صلي الله عليه وسلم الخميصةَ على أبي جهم وطلب أنبجانيّته وعلل ذلك بقوله: إنها ألهتني آنفاً في صلاتي. وقال لعائشة رضي الله عنها: أميطي عنا قرامَك، فإن تصاويره لم تزل تعرضُ لي في صلاتي. ولا يكادُ أحدٌ يسلم من مثل هذا الفكر والموفقُ من وفقه الله، وراجع المجموع للنووي للاطلاع على المزيد من أدلة عدم البطلان بالتفكير، لكن العبد مأمور بدفع ما يعرض له من فكر يخرجه عن الاشتغال بالصلاة وعدم الاسترسال معه.
والخلاصة أن تعلم يا أخي أن الخشوع هو سرُ الصلاة الأعظم، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {المؤمنون 1-2 } فصلاةٌ بلا خشوع بدنٌ بلا روح، وبقدرِ كمال الخشوع يكون كمال الأجر، ومن غلب عليه الفكر في أمور الدنيا في صلاته فإنها تصح وتقع مجزأة بحيثُ لا يطالبُ بالإعادة، ولكنه قد لا يخلو من الإثم إذا استرسل مع هذه الخواطر ولم يدافعها فضلاً عما يفوته من الأجر الكبير، ولذا فالواجبُ علينا جميعاً أن نجتهد في تحصيل الخشوع في الصلاة والأخذ بأسبابه والاجتهاد في مدافعة الخواطر وعدم الاسترسال معها لتقعَ صلاتُنا على الوجه الأكمل، وعلينا أن نجبر ما عسي أن يقع فيها من نقص بالإكثار من النوافل، فإن الله يجبرُ بها نقص الفرائض، وبالاجتهاد في التوبة والاستغفار، والاجتهاد في الدعاء أن يمنّ الله علينا بقلوبٍ خاشعة وأعمالٍ متقبلة، فإذا اطلع الله منا على الصدقِ في طلب الخشوع وإرادة تحصيله فإنه تعالى لن يخيبَ سعينا فقد قال عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت 69}
والله المسئول أن يقيل عثراتنا، ويغفر زلاتنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وللمزيد راجع الفتاوي 3087، 5829 .
والله أعلم.