عنوان الفتوى : الثواب الجزيل في الدنيا والآخرة لمن يعفو ويصفح

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

هي من بدأت بالخلاف ودون سبب جرحتني بكلام لا أستطيع ذكره, قامت بسبي وشتمي أمام أهلي وأقاربي انهالت علي بكلام كان كالصاعقة علي لدرجة أنها طعنتني في شرفي وظلمتني، وفي اليوم الثاني أرسلت لي في الجوال كلاما يطعن في شرف أهلي من أبي وإخواني وأخواتي ولم أخبر أحدا, وكلت فيها أمري إلى الله ولم أفكر في الانتقام منها؛ لأني أثق في نفسي والجميع يعرف أخلاقي ويشهد بها ولم يصدقها أحد، بعد مرور أسبوعين من الخلاف أحسست بأني أريد سماحها والتصالح معها لأكسب الأجر الكبير عند الله واتباع قوله تعالى:" فمن عفا وأصلح فأجره على الله"، أرسلت لها رسالة عبر الجوال أطلب منها السماح والصلح وأنا أثق أني لم أغلط عليها قط، كان ردها أنها لم تسامحني حتى أعتذر لها في بيتها أمام أهلها كان صعبا علي جدا طلبها لأنه صار العكس وافقت على طلبها رغم إحساسي بالذل والإهانة وجرح كرامتي ولم أفكر وقتها إلا بالأجر الكبير عند الله وكان ذلك يهون علي، ولكن لم أستطع نسيان كل ما فعلته معي, أفكر به دائما ومازال قلبي مجروحا ومازال قلبي زعلانا جدا منها, هي المفروض من تأتي وتطلب مني السماح ولكني فعلت العكس, وذلك يحسسني بالألم الكبير لدرجة أني لم أنس ما فعلته هي وأحس أني لا أريد محادثتها وتغيرت مشاعري ناحيتها...فهل هذا الشيء يضيع علي الأجر؟ أم أنها ردة فعل طبيعية وستنتهي مع الأيام؟...أنا أخاف أن ما فعلته من أجل الله يضيع هباء منثورا وأكون خسرانة فأرجو مشورتي لأني أكاد أتقطع من الهم وأتأسف على الإطالة....

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

جزاكِ الله خيرا على صبركِ على ما أصابكِ من أذى، واعلمي أن ما أتيت به من العفو والصفح والصلة هو من عزم الأمور، قال سبحانه: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {آل عمران:186} وهو الذي يوافق أخلاق الإسلام فالعفو من الأخلاق التي أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ {الشُّورى:40} وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ {النور:22}. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. فانظري كيف أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من عفا فإن الله يزيده عزا بعفوه.

والعفو والصّفح هما خلق النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأين المشمرون المقتدون؟! إن من يغالِبهم حب الانتصار والانتقام أين هم من خلق سيد المرسلين ؟! سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله، فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وقد حكى الله سبحانه عن نبيه يوسف عليه السلام وقد آذاه إخوته وظلموه وعندما آل أمره إلى النصر والعزة والتمكين لم يقابل السيئة بمثلها وإنما عفا عنهم وكان من أمره ما حكاه القرآن الكريم عنه قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

واعلمي أيتها السائلة أن القوة الحقيقية هي كبح جماح النفس عن الاسترسال في الغضب والانتقام، فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.

أما ما تجدينه في صدرك من ضيق بسبب ما حدث لك من إهانة فهذا- إن شاء الله -لا يذهب الأجر, فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

 فعليك أن تستعيذي بالله من وساوس الشيطان ونزغاته فإن ما أتيت به من العفو والصفح قد ساء الشيطان وأغاظه وهو الآن يتحين الفرصة ليفسد عليك عملك وليخرجك من دائرة العفو والغفران إلى دائرة الكيد والانتقام، فاستعيذي بالله من كيده قال سبحانه: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35}

  وفقنا الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.

وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24753، 27841، 12380.

والله أعلم.