عنوان الفتوى : حكم من يتلفظ بكلمة التوحيد ولا يعمل بمقتضاها
نسأل ما حكم من يقول لا إله إلا الله ويقر بوجود الله فقط وتصنيفه من أنواع الكفر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا يكفي لنجاة المرء من عذاب الله في الآخرة التلفظ بكلمة التوحيد بل يجب أن يأتي بها مع تحقيق لوازمها من العمل الصالح من صلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك، ومع ترك ما يناقضها من الكفر والنفاق، ومع تحقيق شروطها من الإخلاص والصدق واليقين والمحبة والعلم والانقياد والقبول ..
ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ .
وفي مسند أحمد عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَن أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَبْشِرُوا وَبَشِّرُوا النَّاسَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ صَادِقًا بِهَا دَخَلَ الْجَنَّة.
جاء في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : قوله: من شهد أن لا إله إلا الله أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاها، باطناً وظاهراً، فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولهما، كما قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله. {محمد: 19}، وقوله: إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزخرف86}.
أما النطق بها من غير معرفة لمعناها، ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح ، فغير نافع بالإجماع.
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم:- باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابد من استيقان القلب ـ هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها.
ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. انتهى.
و قال: وقد أجمع العلماء على أن من قال: لا إله إلا الله ولم يعتقد معناها، ولم يعمل بمقتضاها: أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإثبات. اهـ
وقد دل على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5098، 5398، 106440.
وأما في الدنيا فإن تحزبت جماعة على هذا المعتقد وامتنعت من أداء ما فرضه الله من شعائر الدين وجب على الإمام قتالهم ولم يكفهم تلفظهم بلا إله إلا الله.
ففي صحيح البخاري أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ؟
فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. اهـ.
وأما عد هؤلاء من أصناف الكفار من عدمه فلا شك أن هذا المعتقد من الضلال البين لكن يختلف حال كل شخص عن غيره، ولا يسارع بالحكم بالكفر على المرء بمجرد ذلك فإن التكفير شأنه عظيم وخطير وهو ليس إلى أي أحد، وقد بينا في الفتوى رقم: 2453 حقيقة العلمانية وأنها كفر، وكذا الدعوة إليها، إلا أن شخصا يدعي الإسلام ويقول لا اله إلا الله وينتمي مع ذلك إلى العلمانية أو لا ينتمي إليها ولكن يكتفي بالنطق بكلمة التوحيد دون تحقيق معناها والقيام بمقتضاها فمثل هذا لا نستطيع الحكم عليه إلا بعد معرفة حاله وتوفر الشروط وانتفاء الموانع، فمن توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع حكم بكفره، وإلا فلا.
والله أعلم.