عنوان الفتوى : دعوة الكافر الذي حضره الموت إلى الإسلام
قرأت لخطيب الجمعة ما يلي : (لا مانع ولا بأس للمسلم إذا سمع أن جاره غير المسلم يحتضر أن يسارع إليه ليذكّره بشهادة التوحيد ويدعوه إلى الله يقول الخطيب فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ويستدل أيضاً بما جاء في البخاري :( أن النبي كان له غلام يهودي يخدمه فلما سمع بمرضه ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أسلم قل لا إله إلا الله فنظر الغلام إلى أبيه (وكان يهودياً) فقال له والده : أطع أبا القاسم فأسلم الغلام ومات فلما انصرف النبي قال الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ) ,سؤالي :1- هل هذا الأمر من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم فقط , أم لكل المسلمين ؟ 2- إذا كان هذا الأمر لكل مسلم كيف نوفق بين هذا الأمر وبين ما جاء في سورة النساء(وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ....) , وبين حديث (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) وبين توبة فرعون الذي تاب وقت الاحتضار وقال آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل ؟ 3- وهل إذا ّذكّرنا غير مسلم وقت الاحتضار بالشهادة فقالها هل تنفعه تلك الشهادة عند الله باعتبار حديث( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الدعوة للإسلام ليست خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، بل يشرع لجميع أتباع النبي صلى الله عليه وسلم القيام بها حسب استطاعتهم،عملا بقوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ { يوسف :108 } ولقوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125}
ويشرع دعوة الكافر عند احتضاره، وليس ذلك خاصا بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويدل لذلك أمره صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله. رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب عند موته: يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله . رواه البخاري ومسلم.
وقد روى أحمد وأبو يعلى عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من بني النجار يعوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خال قل: لا إله إلا الله. صححه الأرناؤوط وحسين أسد.
وأما التوفيق بين الآيات والحديث فجوابه أن الغلام لم يبلغ درجة الغرغرة والله تعالى يقبل توبة كل من المسلم والكافر إذا تاب توبة صادقة قبل الغرغرة، ففي الحديث: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، رواه الترمذي. وقال الله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً {النساء:17}.
قال الحسن البصري: ما لم يغرغر، وقال عكرمة : الدنيا كلها قريب. وقال الضحاك: ما كان دون الموت فهو قريب.
ومما يدل على قبول صحة إسلام الكافر عند الموت قبل الغرغرة ما رواه البخاري وغيره عن أنس قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه يعوده فقعد عند رأسه فقال: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار .
وقال الشوكاني في تفسيره : ولم ينفعه هذا الإيمان أنه وقع منه بعد إدراك الغرق كله كما تقدم في النساء ، ولم يقل اللعين آمنت بالله أو برب العالمين ، بل قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، لأنه بقي فيه عرق من دعوى الإلهية . قوله : وأنا من المسلمين: أي المستسلمين لأمر الله المنقادين له الذين يوحدونه وينفون ما سواه ....اهـ
وقال البغوي في تفسيره: وليست التوبة للذين يعملون السيئات، يعني : المعاصي حتى إذا حضر أحدهم الموت، ووقع في النزع ، قال إني تبت الآن وهي حالة السوق حين تساق روحه ، ولا يقبل من كافر إيمان ولا من عاص توبة ، قال الله تعالى : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( غافر - 85 ) ولذلك لم ينفع إيمان فرعون حين أدركه الغرق .
والله أعلم.