عنوان الفتوى : الصبر والاحتساب عند فقد الأحباب
بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ. أود أن أطرح علي فضيلتكم ما أعانيه من فراق أعز وأغلى ما في الوجود. وهي ( أمي) حيث توفيت منذ تسعة عشر يوما. ومنذ ذلك اليوم وأنا في أشد الحزن والضياع فهي لا تفارق عيناي أبدا. كلما مرت الأيام ازددت لها شوقاً فقلبي يعتصر من الحزن كلما وقعت عيناي على شيء يخص أمي بكيت بجنون وكلما بدأت بإعداد طعام تذكرت أننا كنا نعده لأمي لم أقدر أن أعد إلا القليل منه، وكلما ذهبت إلى مكان أرى أمي في كل مكان وكل وقت لا تفارق عيناي أكاد أصاب بالجنون إلى الآن لا أقدر أن أتقبل عدم وجودها بجانبي وأنا ولله الحمد مؤمنة بالموت والحياة ولكن هذا الشعور ليس بيدي. وأنا أخاف من الله أن يعاقبني على ذلك. لذا أرجو من الله ثم من فضيلتكم أن تدلوني على ما يثبتني ويصبرني على مصيبتي من أحاديث و قصص. وأيضا أتمنى من الله عز وجل أن يطمئنني على أمي مثل لو رأيت رؤيا إن أمي في خير وسعادة أن شاء الله. أنا سمعت أن الذي يتوفى يعرف إذا كان في خير أم لا من علامات كثيرة فمثلاً أمي فسبحان الله كان في وجهها نور قد لاحظه أخي هو وواحد من محارمها عند دفنها ما أصعب هذه الكلمة على قلبي في كتابتها وعند نطقها أو سماعها. أيضا كل واحد من ذكر أو أنثى أتى للتعزية إلا وذكرها بخير هي كانت محبوبة من جميع الناس والحمد لله كانت فيها صفات جدا جميلة كانت من الذين تنطبق عليهم الآية (ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة ) صدق الله العظيم. أود أن تطمئن قلبي على أمي ونور حياتي. أنا أعرف أن هذا يعلمه الله وحده ولكن أنا قلت إن في علامات يعرف بها الإنسان إذا كان المتوفى في خير أم لا. أرجو أن تعذروني للإطالة عليكم وأرجو من فضيلتكم أن تساعدوني بالرد بسرعة لو تكرمتم، مع العلم يا فضيلة الشيخ بأن صلتي بأمي كانت قوية جداً حيث كنت لا أفارقها ليلا نهارا أحملها على أكتافي من دورة المياه أعزكم الله إلى سريرها والعكس وأنام بقربها وقد كتمت سرها لسنين طويلة لدرجة أنني لم أبح به حتى لشقيقاتي وتركت كل متاع الدنيا من أجل المكوث بقربها ، فهل أديت ولو جزءا من حقوقها ؟.
خلاصة الفتوى: فعلى الأخت أن تصبر وتحتسب الأجر، وأن تحذر من الجزع والتسخط وعدم الرضا بالقضاء، ولتبشر بأن أمها في خير بإذن الله، وننصحها بسماع شريط: كشف الكربة عند فقد الأحبة.
فنسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة لأمك ولجميع المسلمين، ونذكرك بفضل الصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى، فقد أعد الله سبحانه للصابرين أجراً عظيماً كما في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة: 156 ـ 157 }
فعليك أن تصبري وتحتسبي الأجر عند الله فله ما أخذ وله ما بقي، وكل نفس ذائقة الموت، والمصائب بعد موت الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم هينة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باباً بينه وبين الناس أو كشف ستراً فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم، ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم فقال: يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبتي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي. قال الشيخ الألباني: صحيح..
فإذا ما استشعرت أيتها الأخت الكريمة تلك المعاني ووقرت في قلبك وعقلك فسيخف عليك هول الصدمة، واعلمي أن الحياة دار ممر لا دار مقر، وأن اجترار الحزن والأسف لا يرد غائباً ولا يعيد فائتاً، فاتقي الله واحذري من الجزع والتسخط وعدم الرضا بالقضاء،
وما ذكرت من شأن أمك وصلاحها ومحبة الناس لها وشهادتهم لها بالخير كل ذلك يدل على حسن الخاتمة وأبشرى الخير لها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله قالوا: كيف يستعمله ؟ قال: يستعمله في عمل صالح قبل موته. رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ومروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت ؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض.
وإليك هذه الأحاديث ففيها تسلية لك ولكل مصاب:
في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة.
وفي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أن ابنا لي قبض فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ, وله ما أعطى, وكل شيء عنده بأجل مسمى, فلتصبر ولتحتسب.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها؛ إلا آجره الله تعالى في مصيبته, وأخلف له خيرا منها. قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها, فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
وهناك أمور تعين على اكتساب الصبر راجعيها في الفتوى رقم: 73790.
وننصحك بسماع شريط الشيخ علي القرني بعنوان: كشف الكربة عند فقد الأحبة.
هذا، ونسأل الله تعالى أن يجازيك أحسن الجزاء على برك بأمك وخدمتك لها ولا شك أن ذلك جزء من حقها عليه فأبشري بخير وجزاء أوفى من الله تعالى.
والله أعلم.