عنوان الفتوى : حكم العمل في تصميم المواقع
أعمل في تصميم المواقع ، علماً بأن المواقع التي أصممها لا تحتوي على صور نساء ، ولا صور مخلة بالآداب الشرعية ونحوها ، ولا أدخل لتصاميمي الموسيقى أو الأغاني ، فقط أقوم بتصميم شكل الموقع ، هل علي شيء في ذلك ؟ والمال الذي أكسبه حلال أم حرام ؟ وهل علي إثم إذا قام بعد ذلك العميل الذي قمت بتصميم الموقع له بوضع أشياء محرمة في موقعه من أغاني وصور ونحوها ؟ وهل هناك حرج في إدخالي على التصميم صور الأطفال؟.
الحمد لله.
هذه من المسائل التي عم بها البلاء اليوم ، نتيجة انتشار المعاصي ، فتنوعت أساليب المحرمات وأدواتها ، فلم يكد يسلم باب إلا وللشيطان فيه مدخل ، حتى اختلط على المسلمين أمرهم ، ولحقتهم المشقة في تحري الحلال واجتناب الحرام ، والله سبحانه وتعالى حسيب المتقين ، وكافي عباده المؤمنين ، يرى منهم حبهم لطاعته وكرههم لمعصيته ، وسيكافئهم بإذنه مغفرة وعفوا ورضوانا وإحسانا .
وفي قواعد البيع والإجارة الجائزة في الشريعة الإسلامية : كونها مما لا يُعصى الله تعالى بها ، فلا تكون عوناً على معصية ، ولا تؤدي إلى وقوعٍ في محرم ؛ فالشريعة إذا حرمت شيئا، حرمت كل ما يؤدي إليه ويعين عليه ، وأمرت بسد كل طريق يوصل إليه .
قال الله عز وجل : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ 2 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه ، ثم إعانة غيره على تركه" انتهى.
"تفسير السعدي" ( ص 218 ) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" ( 3 / 140 ) :
"لا يصح عند جمهور الفقهاء بيع العنب لمن يتخذه خمرا , ولا بيع بندق لقمار , ولا دار لتعمل كنيسة , ولا بيع الخشبة لمن يتخذها صليبا , ولا بيع النحاس لمن يتخذه ناقوسا . وكذلك كل شيء علم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز" انتهى .
فإذا تيقن البائع أو المصمم أو المنتج أن ما صممه سيُستعمل في الحرام : فلا يجوز أن يبيعه أو ينتجه ، وكذا الحكم إذا غلب على ظنه وإن لم يتيقن .
أما إن شك في الأمر ، أو لم يعلم شيئا عن مآل استعمال ما سيبيعه وينتجه : فلا حرج عليه من بيعه وتصميمه ، والإثم على من يستعمله في الحرام .
قال ابن حزم رحمه الله :
"ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه , وهو مفسوخ أبدا : كبيع كل شيء يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمراً ، وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته ، أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين ، أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه , وهكذا في كل شيء ; لقول الله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) .
والبيوع التي ذكرنا : تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل , وفسخها تعاون على البر والتقوى .
فإن لم يوقن بشيء من ذلك : فالبيع صحيح ; لأنه لم يعن على إثم , فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه (يعني: الإثم على المشتري فقط لا على البائع)" انتهى .
"المحلى" ( 7 / 522 ) .
وكذلك الحكم بالنسبة لك أخي السائل :
من جاءك وقد علمت أنه يريد تصميم موقع ليستعمله في الحرام : كالبنوك الربوية أو الصور الإباحية أو بيع المحرمات من خمر وخنزير ودخان أو مواقع الأفلام والموسيقى : فلا يجوز لك تصميم الموقع له ، ولا يحل لك إعانته على المنكر الذي يريد ، بل الواجب عليك نصحه وإرشاده وتذكيره بتقوى الله عز وجل .
أما إن لم تعلم شيئاً عن سبب طلب تصميم الموقع ، أو كان الغالب استعمال الموقع في المباحات والأشياء النافعة : فلا حرج عليك من تصميمه وبيعه ، ولو خلط صاحبه في استعماله بعض الحرام : فالأحكام الشرعية تبنى على الغالب وليس على القليل النادر .
وانظر إجابات الأسئلة : ( 22756 ) و ( 95029 ) و ( 98062 ) .
وأما حكم إدخال صور الأطفال على المواقع التي تصممها فلا يجوز ذلك ، وقد سبق أن بينا تحريم التصوير ، سواء كان مرسوما باليد أو ملتقطاً بالآلة (الكاميرا الفوتوغرافية) ، ولا يستثنى من هذا التحريم إلا ما تتعلق به حاجة أو ضرورة ، كصور جواز السفر ونحو ذلك مما يحتاج إليه . وانظر جواب السؤال (20325) .
والله أعلم