عنوان الفتوى : خطبها شاب متدين ورفضه أبوها لأنه غير قبلي
أنا فتاة أبلغ من العمر 19 سنة تقدم لي شاب ذو خلق ودين ويصلي وحافظا نفسه ودينه وصليت الاستخارة وارتحت له وموافقة وراضية تمام الرضا به رفضه والدي بحجة أنه ليس بقبلي . تحدثت مع والدي بشأنه وأنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بتقوى الله ، وأني بحاجة للستر والعفاف فقال لي إني إنسانة لا حياء لي إذ إني أسأله الموافقة وأنا بكر لم يسبق لي الزواج ، مع معرفتي أن لا حياء في الدين فضربني ضربا مبرحا ، وقلت له إن الله لا يرضي هذا الظلم وإن الموافقة من حقي ، فقال إن الشريعة لا تجيز تزويج الفتاة من ليس بقبلي حتى لا يحدث بين العائلة مشاكل ، مع العلم أني رافضة للزواج من داخل العائلة بتاتا لكثرة مشاكلهم وعدم تفاهمهم ، وقلت له أن يسأل المشايخ والدعاة إذا كان الحق فيما قال فسأتزوج برأيه وإن كان الحق لي في الاختيار فسأتزوج هذا الشاب.... مع العلم والدي متدين ورفضه فقط حتى لا تحدث مشاكل بين العائلة ، وأنه لن يرضيني أنا ويغضب باقي العائلة 0 فأرجو منكم الرد على الفتوى ، وسيراها والدي ، أرجو نصحكم... جزاكم الله خيراً
الحمد لله
أولا :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكفاءةَ شرط في لزوم النكاح ، ثم اختلفوا في الصفات
المعتبرة في الكفاءة ، فمنهم من اعتبر النسب ، ومنهم من اعتبر الحرفة والصناعة ،
ومنهم من اعتبر اليسار والغنى .
والراجح أن الكفاءة المعتبرة إنما هي في الدين فقط ، فلا يزوج الكافر بالمسلمة ،
ولا الفاسق بالعفيفة .
قال ابن القيم رحمه الله مبينا أدلة هذا المذهب: " فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم
في الكفاءة في النكاح :
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات / 13
، وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )
الحجرات / 10
، وقال : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )
التوبة /71
، وقال تعالى : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ
مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ )
آل عمران/ 195
.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا
لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض ، إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب
) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء ، إن أوليائي المتقون
حيث كانوا وأين كانوا ) .
وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم : (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ،
إلا تفعلوه ، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير . قالوا : يا رسول الله ! وإن كان فيه ؟
فقال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه . ثلاث مرات) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبني بياضة : (أنكحوا أبا هند ، وانكحوا إليه . وكان
حجاما).
وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه ، وزوج
فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة بن زيد ، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد
الرحمن بن عوف ، وقد قال الله تعالى : (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات)
النور/26
. وقد قال تعالى : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء)
النساء / 3
.
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا ، فلا
تزوج مسلمة بكافر ، ولا عفيفة بفاجر ، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً
وراء ذلك ، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث ، ولم يعتبر نسبا ولا صناعة ،
ولا غنى ولا حرية ، فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفا مسلما
، وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات ، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات ، وللفقراء
نكاح الموسرات "
انتهى من زاد المعاد 5/144
.
والقول بأن المعتبر في الكفاءة هو الدين فقط يروي عن عمر وابن مسعود ومحمد بن سيرين
وعمر بن عبد العزيز ، وبه جزم الإمام مالك ، وهو رواية عن أحمد ، واختارها شيخ
الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله .
وينظر :"المغني "(7/27) ، "الموسوعة
الفقهية" (34/271) ، "حاشية الدسوقي" (2/249) ، "الفتاوى الهندية" (1/290) ، "تحفة
المحتاج" (7/280) ، "كشاف القناع" (5/67)
.
فإذا تقدم للمرأة من يرضى دينه وخلقه فإنه لا يرد ، كما جاء في الحديث ، سواء كان
قبليا أم غير قبلي .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ومن ذلك أيضاً ما يجري بين الناس الآن من كون
القبيلية لا تتزوج بخضيري ، والخضيري لا يتزوج بقبيلية ، والخضيري : هو الذي لا
ينتسب لقبيلة من قبائل العرب وأصله من الموالي ، والموالي دخلوا في القبائل وصاروا
مندمجين بهم ، لكن لما كان أصله غير قبيلي صاروا يسمونه خضيري والآخر قبيلي ، فمن
العادات الباطلة أنه لا يزوج قبيلي بخضيرية ولا خضيري بقبيلية.
فأما الأول وهو ألا يزوج قبيلي بخضيرية ، فما علمت أحداً من العلماء قال به إطلاقاً
؛ لأن الزوج أشرف نسباً من الزوجة ، الزوج قبيلي ينتسب إلى قبيلة معروفة من العرب ،
والزوجة غير قبيلية ، فهذه ما علمت أحداً من العلماء قال: إن القبيلي لا يتزوج
بخضيرية ، لكن قال بعض العلماء: إنه لا تزوج القبيلية بخضيري إذا عارض بعض الأولياء
، وإن كان هذا القول مرجوحاً لكنه قد قيل به ، أما الأول فلم يقل به أحد من العلماء
فيما نعلم.
وهذه من العادات السيئة التي ينبغي أن تمحى من أفكار الناس ، ويقال : أليست هذه
الخضيرية أو هذا الخضيري أليس حراً ؟ صحيح أن الأمة المملوكة لا يتزوجها الحر بنص
القرآن إلا بشروط ، لقوله تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ
يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ) النساء/25
، لكن امرأة حرة نقول : لا يتزوجها الحر، في دين مَنْ؟ ولهذا كان قول بعض العلماء :
إنه لا تزوج القبيلية برجل خضيري إذا عارض بعض الأولياء ، بل غلا بعض العلماء :
وقال : لا يصح النكاح أصلاً ، فإن هذه أقوال ضعيفة لا مُعوّل عليها ، فالمؤمنون
بعضهم لبعض أكفاء ، المسلمون تتكافأ دماؤهم وتتكافأ أحوالهم ، ولا دليل على التفريق
" انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 20
.
ثانيا :
إذا تبين هذا فإن وصيتنا للأب أن يفتش عن حال هذا الخاطب فإن كان صالحا مستقيما ،
فليزوجه من ابنته ، فإن صاحب الدين هو الذي يحفظها ويرعاها ، إن أحبها أكرمها ، وإن
كرهها لم يظلمها .
ولا لوم على الفتاة لو أبدت رأيها ، وبينت رغبتها في قبول الخاطب الذي تراه كفؤا ،
فإنها إنما تسعى في الحلال ، وترغب في العفاف .
وإذا كان التشدد في أمر النسب من العادات السيئة التي ينبغي أن تمحى كما قال الشيخ
ابن عثيمين رحمه الله ، فلا ينبغي للأب أن يلتفت إلى اعتراض بعض أفراد العائلة ، بل
قبوله لتزويج غير القبلي ، وقبول غيره لذلك مما يساعد على محو تلك العادة .
وكم جَرَّت هذه العادة على المجتمع من مفاسد ، حتى كثرت العنوسة ، وكثرت حالات
الطلاق أيضا ؛ لأن المعول عليه هو أمر القبيلة ، دون نظر في دين الشخص واستقامته ،
وقد يتزوج الرجل من لا يرغب فيها ، وتتزوج المرأة من لا ترغب فيه للاعتبار القبلي ،
فتحدث المشاكل والقلاقل ، ويكون المصير هو الفراق .
نسأل الله تعالى أن يلهمنا وإياكم الرشد والصواب ، وأن يوفقنا لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |