عنوان الفتوى : آداب زيارة العلماء
ما هي آداب زيارة العلماء ؟
الحمد لله.
للعلماء في شريعتنا منزلة عالية ، ومكانة رفيعة ، فهم ورثة الأنبياء ، وحملة الشريعة ، وهم روح الأمة وحياتها وفيهم – بعدَ الله – أملها ورجاؤها .
لذلك كان من الواجب على جميع المسلمين توقيرهم ، واحترامهم ، وإكرامهم ، والتأدب معهم في جميع شؤونهم ، يجمع ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ ) رواه أحمد (5/323) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (5442) .
ولزيارة العلماء آداب خاصة ، وآداب مشتركة مع كل زيارة ، ونحن نذكر هنا أهم الآداب التي تكفي لتحقيق الأدب والتوقير والإجلال اللائق بأهل العلم والفضل :
1- استحضار النية الصالحة قبل زيارتهم ، كي يكتب الله تعالى هذه الزيارة في كتاب الحسنات ، ويثيب عليها في الآخرة الأجر العظيم الجزيل ، وخير ما يمكن أن يحتسبه المرء في زيارة أهل العلم هو التعلم وطلب التفقه في الدين ، وتحصيل الفهم وتقويم الفكر ، والاستفادة من الفرصة المتاحة في الزيارة للسؤال عن المسائل المشكلة والقضايا المشتبهة ، فإذا جمع الزائر إلى هذه النية الحب في الله ، وحب العلماء والفقهاء والصالحين ، والرغبة في بلوغ منزلتهم ، فقد جمع خيراً كثيراً ، ورجع بالأجر والفضل ، وكانت زيارته عبادة يرجو برها وذخرها عند الله تعالى .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ – أي : طريقه - مَلَكًا ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ . قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا – أي : تقوم بإصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك - ؟ قَالَ : لَا ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ) رواه مسلم (2567) .
وأسوأ ما يمكن أن يحتسبه من يزور أهل العلم بلوغ حظ من حظوظ الدنيا ، من شهرة أو رياء أو سمعة ، ليقال إنه من أصحاب الإمام الفلاني ، أو العالم الفلاني ، أو لينال من تزكيته وثنائه ما يبلغ به شيئا من الدنيا ، أو طمع في مال أو جاه أو منصب ، أو غير ذلك من السفاسف الزائلة ، وأي قبح أعظم من أن تقصد الدنيا بأمور الآخرة ، فتصير المكارم والمحاسن مطامع لذوي النفوس المريضة .
2- التحضير للزيارة بالموعد المسبق مع العالم المقصود ، فأوقات العلماء وأعمارهم موقوفة في سبيل الله ، فقد تسبب الزيارة المفاجئة الكثير من الحرج والضيق ، فتفسد على العالم عمله وجهده ، وقد يستحي من رد المزور .
وحبذا لو استغلت فرص الزيارة المفتوحة التي يخصصها كثير من العلماء ، وتكون معروفة لدى من حوله من طلبة العلم ، فلا ينبغي للطلبة التضييق عليه باضطراره إلى اقتطاع أوقات زائدة لزيارة خاصة إلا لحاجة أو ضرورة طارئة .
3- العناية بالنظافة والأناقة وأخذ الزينة المناسبة
للزيارة ، توقيرا وإكراما لمجالس العلم ومنازل العلماء .
4- اصطحاب أهل الفضل والخير والجادين من طلبة العلم ،
الذين يعرفون للزيارة آدابها وحرمتها ، لا المعاندين المغرضين الذين يتصيدون الزلات
، ولا يتورعون عن الولوغ في أعراض المسلمين ، وكذلك تجنب اصطحاب الأطفال والأولاد
المزعجين ، كي لا يتسبب الزائر بالأذى لأهل البيت ، كما ينبغي مراعاة حال المنزل من
حيث الضيق والسعة ، فيقدر الزوار العدد الذي لا يسبب الحرج إن ضاق بهم المكان .
5- التأدب بآداب الاستئذان : كالتعريف بالاسم ،
والاستئذان ثلاثا بالطريقة اللائقة اللينة من غير إحداث أصوات مزعجة ، وعدم الوقوف
أمام الباب مباشرة ، والرجوع إن لم يحصل الإذن من غير صخب ولا ضجر ، وغير ذلك من
الآداب العامة التي يستعملها الناس اليوم .
قال ابن جماعة في "تذكرة السامع والمتكلم" (ص/143) معددا آداب الطالب مع شيخه :
" ألا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام إلا باستئذان ، سواء كان الشيخ وحده أو
كان معه غيره ، فإن استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن له انصرف ، ولا يكرر الاستئذان
، وإن شك في علم الشيخ به فلا يزيد في الاستئذان فوق ثلاث مرات ، أو ثلاث طرقات
بالباب أو الحلقة ، وليكن طرق الباب خفيا بأدب بأظفار الأصابع ، ثم بالأصابع ثم
بالحلقة قليلا قليلا ، فإن كان الموضع بعيدا عن الباب والحلقة فلا بأس برفع ذلك
بقدر ما يسمع لا غير ، وإذا أذن وكانوا جماعة ، يقدم أفضلهم وأسنهم بالدخول والسلام
عليه ، ثم سلم عليه الأفضل فالأفضل .
وينبغي أن يدخل على الشيخ كامل الهيئة ، متطهر البدن والثياب ، نظيفهما ، بعد ما
يحتاج إليه من أخذ ظفر وشعر ، وقطع رائحة كريهة لا سيما إن كان يقصد مجلس العلم ،
فإنه مجلس ذكر واجتماع في عبادة .
ومتى دخل على الشيخ في غير المجلس العام وعنده من يتحدث معه فسكتوا عن الحديث ، أو
دخل والشيخ وحده يصلي أو يذكر أو يكتب أو يطالع ، فترك ذلك أو سكت ولم يبدأ بكلام
أو بسط حديث ، فليسلم وليخرج سريعا ، إلا أن يحثه الشيخ على المكث ، وإذا مكث فلا
يطيل إلا أن يأمره بذلك " انتهى .
6- التأدب في مجلسه بآداب المجالس ، ويحاول أن يبلغ
بها الغاية والكمال ، فهي كلها خير وخلق وأدب : فلا يرفع صوته ، ويحرص على خدمة
الشيخ وتلبية طلبه ، ويحترمه في أسلوب الخطاب والحديث ، ولا يزعجه بالمكالمات
الهاتفية المزعجة ، وينبغي " أن يكون مجلسه دون العالم ، وأن لا يكون بعيداً عن
العالم ولا قريباً جداً منه في مجلسه ، وأن يتفسح للطلاب الذين يريدون الجلوس ، وأن
لا يشغب بالكلام في مجلسه ، ولا يماري ولا يجادل ، وأن لا يبدأ الحديث حتى يبدأ
الشيخ ، وأن لا يفرض على مجلس الشيخ حديثاً بدون إذن الشيخ ، وأن لا يتكلم بعد كلام
الشيخ إلا بإذنه ، وأن لا يغتاب عنده أحداً ، وأن لا يشعره بتململ أو تضجر ، وأن لا
يجلس جلسة تنبئ عن عدم الاكتراث أو قلة الاهتمام ، وأن يتحمل من شيخه ما قد يعتريه
من وعورة خلق أو شدة ، فإنما هو بَشَر " انتهى .
نقلا عن "معاملة العلماء" للشيخ محمد بازمول (ص/39) .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( إن من حق العالم ألا تكثر عليه السؤال ، ولا
تعنته في الجواب ، وأن لا تلح عليه إذا كسل ، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ، ولا تفشين
له سرا ، ولا تغتابن عنده أحدا ، وإن زل قبلت معذرته ، وعليك أن توقره وتعظمه لله
ما دام يحفظ أمر الله ، ولا تجلس أمامه ، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته )
.
وقال أيضا : ( من حق العالم عليك إذا أتيته أن تسلم عليه خاصة ، وعلى القوم عامة ،
وتجلس قدامه ، ولا تشر بيديك ، ولا تغمز بعينيك ، ولا تقل قال فلان خلاف قولك ، ولا
تأخذ بثوبه ، ولا تلح عليه في السؤال ، فإنه بمنزلة النخلة المرطبة لا يزال يسقط
عليك منها شيء).
رواهما ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/129) ، (1/146) .
وقال ابن جماعة في "تذكرة السامع والمتكلم" (ص/145- 165 ) :
" وينبغي أن يدخل على الشيخ أو يجلس عنده وقلبه فارغ من الشواغل ، وذهنه صاف ، لا
في حال نعاس أو غضب أو جوع شديد أو عطش أو نحو ذلك ، ليشرح صدره لما يقال ويعي ما
يسمع وأن يجلس بين يدي الشيخ جلسة الأدب ، ويصغي إلى الشيخ ناظرا إليه ، ويقبل
بكليته عليه ، ولا يلتفت من غير ضرورة ، ولا يعبث بيديه أو رجليه ، ولا يضع يده على
لحيته أو فمه أو يعبث بها في أنفه ، ولا يعطي الشيخ جنبه أو ظهره ، ولا يعتمد على
يده إلى ورائه أو جنبه ، ولا يكثر كلامه من غير حاجة ، ولا يكثر التنحنح من غير
حاجة ، ولا يبصق ولا يتنخع ما أمكنه ، وإذا عطس خفض صوته جهده ، وستر وجهه بمنديل ،
وإذا تثاءب ستر فاه بعد رده جهده " انتهى باختصار .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي (في سلسلة دروس مطبوعة الدرس/8، ص/16 ) :
" من حق العالم على طالب العلم إذا كان في مجلس العلم أن يصغي إليه ، كما أخبر الله
عن الجن : ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ) الأحقاف/29 ، وقال الله لنبيه
موسى : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا
اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) طه/12-13
فالواجب الإنصات إليه إذا حدث ، وعدم مقاطعته ، وعدم الاستهانة برأيه ، والاستخفاف
بعلمه ، فإن العلم شعيرة من شعائر الله : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ
اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج/32
كذلك أيضاً من حقوقهم : أن الإنسان يحرص كل الحرص على التأدب معهم في المناقشة
والسؤال والاستفتاء ، لا يرهقهم ولا يحملهم ما لا يطيقون ، ولذلك أمر الله أصحاب
نبيه أن يتأدبوا معه حتى في مجالسهم الخاصة ، وأن لا يطيلوا الجلوس عنده ؛ لأنه
ربما كان مشغولاً بما هو أهم وأعظم ، فالعالم يحتاج إلى حفظ وقته ، وهكذا إمام
المسجد والخطيب ونحوهم ممن يوجه الناس ، قد تكون عندهم أمور خاصة يحتاج إلى تفرغ
لها ، ويحتاجون أن يتزودوا ، فإذا أصبح الناس لا يبالون بأوقات العلماء ، ويرهقونهم
بكثرة الزيارات التي لا يصحبها استفادة ، فهذا أمر فيه ضرر عليهم ، بل هو من إساءة
الأدب ، ولذلك من الأمور التي شاعت بين الكثير إلا من رحم الله كثرة زيارة العلماء
والجلوس معهم دون استفادة .
فتجدهم يسألون عن حاله ، وعن شأنه ، ويسألونه عن أموره الخاصة ، وشئونه الخاصة ،
دون أن يسألوا عن علمٍ نافع ، حتى مل العلماء من مجالس الناس وأصبحوا يقولون : نجلس
ويضيع الوقت في أمور دنيوية .
وقد يجلسون بالساعات ، فإذا أراد العالم أن يقوم ، قال أحدهم : عندي سؤال ، وقال
هذا : عندي مشكلة ، مع أن العالم يجلس بالساعات ، ولا يجد من يسأله .
فينبغي أن نشفق عليهم ، وأن نختار الأوقات المناسبة لزيارتهم ، وكذلك أيضاً إذا
رأينا عليهم العناء والتعب نشفق عليهم ، فهذا أيضاً من احترام العلماء ومن الأدب
معهم" انتهى باختصار.
7- وأخيرا ، يجب على الزائر أن يحفظ العالِم في غيبته ، فقد أكرمه في بيته ، وفتح
له قلبه ، واستقطع له الوقت لمجالسته ، فلا يجوز أن يقابل ذلك بالإساءة أو النسبة
إلى التقصير ، بل الشكر والامتنان ، أو العفو والصفح .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |