عنوان الفتوى : وصف الذين يكذبون الله ورسوله بالكفر
لدي سؤال حساس نوعا ما وهو مدى عدل النظرة من بعض المسلمين تجاه الناس والشعوب في الغرب ووصفهم "بالكفار" وهو لفظ قوي وفيه حكم عليهم مع أن هؤلاء الناس لم يرسل إليهم أحد يعلمهم الدين والدنيا ولا أحد متفرغ للدعوة فيهم ويتحدث لغاتهم ودارس لأحوالهم ويدعوهم على سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة والموعظة الحسنة واللين والرفق والعقلية المتفتحة المنفتحة الصابر على أذاهم إن أذوه -فلم نر أحداً يدعو هناك بتلك الصفات!! ونجد أن أولئك الناس -بعض المسلمين- يصفونهم بالكفر وكأن الدعوة للدين والدنيا، والاقتصاد وعلوم الدنيا والصناعة والتقدم وزاد الآخرة هناك في أوجها وقوتها!! وكأن أولئك الناس بحق يكفرون بكنز الإسلام ولا يريدونه من بعد ما تبين لهم الحق!! القرآن العظيم الكريم وصف بالكفر بعض الناس مثل بعض أهل الكتاب الذين كانوا ينتظرون نبي آخر الزمان بفارغ الصبر وكان بعضهم يعرف صفاته بمنتهى الدقة حتى أن أحدهم كان يعرف صفاته أكثر من ابنه!! ثم وبعد أن جاءت الرحمة المرسلة كفروا به؛ لأحقادهم وعادوه مع علمهم أنه هو الرسول الحق وبحق!! أمثال هؤلاء يطلق عليهم كفار أما من لا يدري شيئا عن الإسلام ولا معنى الألوهية والعبودية ولا آخرة ولا جنة ولا نار وهو يعيش بمدينته يشتغل ويوفر المال ويجري على رزقه فقد يوصف بالضال والقرآن العظيم الكريم أيضا وصف بالضالين وهو أنسب وصف! هناك فرق بين من يعرف الكثير عن الإسلام ويعاند ويحقد ويعادي وواحد لا يعرف أي شيء أو يكاد.. هناك فرق!والتمييز ضروري جداً بين هؤلاء الصنفين لأنا نحن العارفين بالدين مسؤولون ومكلفون بالتبليغ بكافة الوسائل، وإن كانت الدعوة تكون أفضل وأقوى بعد أن تكون أرض العرب والإسلام خصبة بالاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا -نهضة يعني- ويجب أن لا نخلق أعداء نصفهم بالكفار من قبل أن ندعوهم أصلاً!! والداعية إلى الله إنسان رحيم أكرر رحيم محب للخير قدوة صالحة حسنة، وبالمناسبة أود أن أسأل عن احتمالية ورود حديث صحيح عن طريقة حساب الله تعالى لمن لم يبلغوا في الدنيا وكانوا ضلوا السبيل، وهل المسؤولية على المسلمين لأنهم لم يبلغوا رسالة الله على أحسن وجه؟ شكراً لكم.
خلاصة الفتوى:
وصف الشعوب في الغرب أو غيره بالكفر وصف مناسب لهم إذا كانوا كذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ليس من شك في أن الداعية إلى الله ينبغي أن يكون إنساناً رحيماً محباً للخير قدوة، وأن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق واللين والانفتاح والصبر على أذى الكفار، وغير ذلك من الصفات التي تُرغب في الدين... ومن الحسن أن يدرس لغات من يدعوهم ويعرف أحوالهم، ولا شك في أن مسؤولية التبليغ تقع على كل من أمكنه ذلك، ولكنه لا يشترط للداعية أن يكون متفرغاً للدعوة، وأن يمشي بين الناس ويزور كل واحد منهم على حدة ويخالطه ونحو ذلك..
فيمكن للداعية أن يُعرف بالإسلام في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقرءوة وعبر الهاتف والإنترنت وغير ذلك من أنواع المراسلات.. وإذا عرف المرء الإسلام بأية وسيلة من هذه الوسائل ولم يقبله، كان ذلك كافياً لاستحقاقه أن يسمى كافراً، واعلم أنه من المستبعد أن يكون على وجه الأرض الآن شعب كامل لم تصله رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لكثرة ما تنشره وسائل الإعلام من التعريف بالدين الإسلامي والدعوة إليه.
وإذا افترض وجود شعوب لم تبلغهم الدعوة فإنهم لا يعذبون إلا بعد أن تقام عليهم الحجة، قال تعالى: مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء:15}، كما أنهم في هذه الحالة لا يوصفون بالكفر ولا الإيمان، لأنهم لم يعلموا بالدين أصلاً حتى يحكم عليهم بأنهم آمنوا به أو كفروا به، وهؤلاء وأمثالهم سيمتحنون يوم القيامة، روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب قد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني من رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعوه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاماً.
ولا فرق بين زمنه صلى الله عليه وسلم والأزمنة المتتالية من بعده، فمن لم تبلغه الدعوة ولم يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم سواء أكان يسكن في الغرب أو الشرق أو الأمازون مثلاً فحكمه حكم أهل الفترة، وأما من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم لم يؤمن به فلا عذر له، كما في الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح: والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار.
ومن هذا تعلم أن وصف الشعوب في الغرب أو غيره بالكفر وصف مناسب لهم إذا كانوا غير مؤمنين بالله وحده ربا ولا شريك له، أو غير مصدقين بشيء مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في رسالته.