عنوان الفتوى : الأدلة على تحريم الوفاء بالنذر والذبح لغير الله
أنا شاب في الأربعين من عمري هداني الله للإسلام وأتبع كل ما في القرآن وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وأعاني الكثير مع أبناء قومي اللذين يدينون بالمذهب الدرزي ومع علمي أني لا أهدي من أحب بل يهدي الله من يشاء لكني لا أستطيع أن أرى الخطأ وأقف مكتوف اليدين وقد استفدت كثيراً من موقعكم وألجأ إليه كلما صعب علي أمر ما . وسؤالي اليوم يتعلق بالنذر للمقامات مع أني لا أؤمن بالمقامات ولا أزورها وكثيرا ما يغضب مني المقربون لأني لا أذهب معهم لزيارة المقامات التي اعتادوا على زيارتها فإذا تزوج المرء أول زيارة يجب أن تكون لمقام وإذا أشترى سيارة يجب أن تزور المقام وإذا نذر النذر يجب أن يذبح في المقام ومن هذه الأحداث هذه الحادثة التي أود أن تفتوني بها فتوى صريحة حتى تراها أمي لعلها تقنع . بينما كانت أمي عائدة من لبنان إلى سورية بعد أن نشبت حرب 1967 وقد كان والدي على الجبهة مرت على مقام اسمه (البراقي) فقالت دخلك يا البراقي رجع لي زوجي سالماً وسوف أزورك حافية القدمين وأذبح لك ذبيحة واليوم أمي كبيرة في السن وتنوي أن توفي بالنذر وقد قلت لها إن ما نذر لغير الله فهو باطل فلم تقنع وقالت إنها تخشى من (الهو) إذا لم تف بالنذر أرجو إفتاءنا فتوى صريحة لهذه الحادثة بكل تفاصيلها علماً أني حدثت أمي عن موقعكم وطلبت مني سؤالكم ولكم جزيل الشكر .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا يجوز النذر ولا الذبح لغير الله تعالى، و لا يلزم الوفاء به لما فيه من التقرب الذي لا يجوز صرفه لغير الله تعالى. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من موضع في الفتاوى إجماع المسلمين على ذلك. وقال إنه شرك .
ومن نذر ما فيه معصية لله تعالى حرم عليه الوفاء بذلك النذر، فأحرى إن كان شركا لما في صحيح البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه".
و الذبح لغير الله من الشرك الأكبر كما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {الأنعام: 162-163}
قال مجاهد والسدي(نسكي) ذبحي، وقال صلى الله عليه وسلم: لعن الله من ذبح لغير الله. رواه مسلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فالذبح للمعبود غاية الذل والخضوع له، ولهذا لم يجز الذبح لغير الله، ولا أن يسمى غير الله على الذبائح.
وقال الإمام الرافعي رحمه الله: واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود، وكل واحد منهما من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة، فمن ذبح لغيره من حيوان أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة لم تحل ذبيحته، وكان فعله كفرا كمن يسجد لغير الله سجدة عبادة، فكذا لو ذبح له أو لغيره على هذا الوجه. اهـ من المجموع للإمام النووي -رحمه الله.
وأما إقامة المقامات على الأضرحة فهو من البدع المؤدية للغلو وقد تفضي للشرك.
قال الإمام ابن القيم: " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر، ولا بحجر ولبن، ولا تشييدها، ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها، فكل هذا بدعة مكروهة، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم. وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن، ألا يدع تمثالا إلا طمسه، ولا قبرا مشرفا إلا سواه" رواه مسلم.
فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية هذه القبور المشرفة كلها، " ونهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه " وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة، وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه، فقبره صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه، وكان يعلم قبر من يريد تعريف قبره بصخرة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعليه، ونهى عن الصلاة إلى القبور، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيدا، ولعن زوارات القبور. وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ، وأن لا يجلس عليها، ويتكأ عليها، ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها، وتتخذ أعيادا وأوثانا)اهـ
والله أعلم.