عنوان الفتوى : متى تكون الصدقة أفضل من حج التطوع
أرجو أن تساعدوني على فهم تصرف عبد الله بن مبارك حين لم يكمل الذهاب للحج النفل لأنه قابل ناسا فقراء فتصدق بما معه ولم يبق إلا القليل لرجوعه -ولدي الآتي من الأسئلة: لماذا لم يقسم ما معه من المصاريف بين الفقراء الذين قابلهم وأن يتم حجه النفل؟ هل هناك من مرجعية لتصرفه أم محض اجتهاد منه؟ لا أدري إن كان هناك ما يمنع لكن لعل التصدق بكل مخصصات الحج النفل أفضل من إتمامه، أفتونا؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن الحج والعمرة أفضل من صدقة التطوع، لأن الحج والعمرة يشتملان على إنفاق المال وأعمال أخرى من الطواف والسعي والذكر والصلاة والتلبية وغير ذلك.. لكن المرء إذا وجد قوما مضطرين لنفقته، أو كان له أقارب محاويج، وتعذر الجمع بين الإنفاق والحج، فإن الإنفاق والحالة هذه أفضل.
ففي مواهب الجليل: سئل مالك عن الحج والصدقة أيهما أحب إليك؟ فقال: الحج، إلا أن تكون سنة مجاعة. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الاختيارات: وأما إذا كان له أقارب محاويج، فالصدقة عليهم أفضل، وكذا إذا كان هناك قوم مضطرون إلى نفقته، فأما إذا كان كلاهما تطوعاً، فالحج أفضل، لأنه عبادة بدنية مالية، وكذا الأضحية والعقيقة أفضل من الصدقة بقيمة ذلك. انتهى.
فإذا عرفت هذا فاعلم أن المذكور في سيرة عبد الله بن المبارك في الحادثة التي أشرت إليها: هو أنه خرج مرة إلى الحج فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم فأمر بإلقائه على مزبلة هناك، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها فأخذت ذلك الطائر الميت ثم لفته ثم أسرعت به إلى الدار، فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة، فقالت: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام، وكان أبونا له مال فظُلم وأخذ ماله وقتل. فأمر ابن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار، فقال: عد منها عشرين ديناراً تكفينا إلى مرو وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع.
والله أعلم.