عنوان الفتوى : الحكمة من حداد المرأة على زوجها أكثر من حدادها على أحد أقاربها
1-بسم الله الرحمن الرحيم الأخوة القائمين على هذا الموقع السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالي هو حول حداد الزوجة على زوجها: ماهي الحكمة من مدة حداد الزوجة على زوجها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.؟ بينما لا يحل لها الحداد على غير الزوج من الأهل كالأب والأخ بأكثر من ثلاثة أيام. وجزاكم الله خير الجزاء والسلام عليكم
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فالحكمة من منع المرأة من الإحداد على أمها وأبيها فوق ثلاث وإيجابه عليها على زوجها أربعة أشهر وعشر وهو أجنبي عنها ، قد حررها ابن القيم في إعلام الموقعين بقوله: " هذا من تمام محاسن هذه الشريعة وحكمتها ، ورعايتها لمصالح العباد على أكمل الوجوه ، فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة ، ويضيفون إلى ذلك شق الجبوب ، ولطم الخدود ، وحلق الشعور ، والدعاء بالويل والثبور ، وتمكث المرأة سنة في أضيق بيت وأوحشه ، لا تمس طيباً ، ولا تدهن ، ولا تغتسل إلى غير ذلك.. مما هو تسخط على الرب تعالى وأقداره ، فأبطل الله سبحانه برحمته ورأفته سنة الجاهلية ، وأبدلنا بها الصبر والحمد والاسترجاع الذي هو أنفع للمصاب في عاجلته وآجلته.
ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تتقاضاه الطباع ، سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك وهو ثلاثة أيام ، تجد بها نوع راحة ، وتقضي بها وطراً من الحزن . وما زاد عن الثلاث فمفسدته راجحة ، بخلاف مفسدة الثلاث فإنها مرجوحة ، مغمورة بمصلحتها ، فإن منع النفوس عن مألوفاتها بالكلية من أشق الأمور عليها ، فأعطيت بعض الشيء ليسهل عليها ترك الباقي ، فإن النفس إذا أخذت بعض مرادها قنعت به ، فإذا سُئلت تَرْكَ الباقي كانت إجابتها إليه أقرب من إجابتها لو حرمت بالكلية.
ومن تأمل أسرار الشريعة وتدبر حِكَمَها رأى ذلك ظاهراً على صفحات أوامرها ونواهيها ، بادياً لمن نظره نافذ ، فإذا حرم عليهم شيئا عوضهم عنه بما هو خير لهم منه وأنفع ، وأباح لهم منه ما تدعو حاجتهم إليه ليسهل عليهم تركه … وبالجملة فما حرم عليهم خبيثاً ولا ضاراً إلا أباح لهم طيباً بإزائه أنفع لهم منه ، ولا أمرهم بأمر إلا وأعانهم عليه ، فوسعتهم رحمة ، ووسعهم تكليفه. والمقصود أنه أباح للنساء لضعف عقولهن وقلة صبرهن الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام. وأما الإحداد على الزوج فإنه تابع للعدة وهو من مقتضياتها ومكملاتها ، فإن المرأة إنما تحتاج إلى التزين والتجمل والتعطر لتتحبب إلى زوجها ، وترد لها نفسه ، ويحسن بينهما المعاشرة.
فإذا مات واعتدت منه وهي لم تصل إلى زوج آخر، فاقتضى تمام حق الأول ، وتأكيد المنع من الثاني قبل بلوغ الكتاب أجله ، أن تمنع مما تصنعه النساء لأزواجهن ، مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال ، وطمعهم فيها بالزينة والخضاب والتطيب. فإذا بلغ الكتاب أجله صارت محتاجة إلى ما يرغب في نكاحها ، فأبيح لها من ذلك ما يباح لذات الزوج ، فلاشيء أبلغ في الحسن من هذا المنع والإباحة ، ولو اقترحت عقول العالمين لم تقترح شيئا أحسن منه"
والله أعلم.