أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : الاستدلال على معرفتنا لله سبحانه وتعالى

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سمعت من أحد الشيوخ أن من الألفاظ التي تخالف العقيدة قول (ربنا عرفوه بالعقل) لأن الله عرف بالوحي، وفي مناقشة أثبت لي خالي أن الله عرف بالعقل، والدليل محاورات سيدنا إبراهيم عليه السلام، إلى أن وصل بعقله أن الله ليس الشمس ولا القمر، وذكر أن إدريس عرف الله أيضاً دون وحي، أريد أن أعرف حقيقة الأمر حتى أقوم بالرد على بينة.

وجزاكم الله خيراً.

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عاتكة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يُكثر من أمثالك، وأن يشرح صدرك للعقيدة الصحيحة التي أمر الله تبارك وتعالى بها عباده وحثهم عليها نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

وبخصوص هذه العبارة التي وردت وأنك سمعت من أحد الشيوخ أن هذا اللفظ يخالف العقيدة وقول: (ربنا عرفوه بالعقل) أن الله عُرف بالوحي، وفي مناقشة مع خالك أثبت لك أن الله عرف بالعقل، والدليل على ذلك قصة إبراهيم عليه السلام وقصة إدريس عليه السلام.

ففي الواقع هذا الكلام فيه بعض المغالطة؛ لأن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق العقل، ويستحيل للمخلوق أن يحيط بالخالق، إذا كان الله تبارك وتعالى يقول: ((وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا))[الإسراء:85]، نحن بالعقل نستطيع أن نتعرف على بعض مظاهر عظمة الله وقدرة الله وقوة الله وسلطان الله، أما أن نتعرف بالعقل وحده على الله فهذا متعذر، إلا أن الإنسان منا أحياناً قد تكون أمامه آلة غير متخصص فيها لا يستطيع أن يعرف منها إلا الظاهر، أما كيفية عملها في الداخل لا يعقله، فإذا كنت لا أستطيع أن أحكم على آلة أو أحكم على مجرة من المجرات أو أحكم على شيء يمشي أمامي حكماً كاملاً منطقياً مائة بالمائة عن طريق العقل، فكيف أستطيع بعقلي أن أستدل على الذي خلق السموات والأرض جميعاً ومعرفة أوصافه، وما الذي يجب له وما يستحيل وما يجوز؟!

إذن نقول: إن العقل له دور في التعرف على بعض صفات الله تعالى، أما أن نعرف الله بالعقل وحده فهذا كلام فيه مجازفة، وهو كلام حقيقة يقوله بعض العقلانيين وبعض العلمانيين الذين يريدون أن يتحللوا من النصوص الشرعية، وأن يجعلوا المسائل قضية عقل، فرضاً أن العقل رفض وجود الله تعالى فماذا سنفعل؟! فرضاً أن العقل رفض التوحيد لله عز وجل فماذا سيفعل الإنسان؟! فرضاً أن هذا العقل قد أعطى صورة غير مطابقة للحقيقة الشرعية لله سبحانه وتعالى، ثم أي عقل سنحتكم إليه؟! هل عقل خالك؟ أم عقلك أنت؟ أم عقل آخر؟ أم عقل أمك؟ أم عقل أبيك؟.. إذن معنى ذلك أن هناك ملايين الآلهة على قدر ملايين العقول البشرية الموجودة.

فنحن نقول: إن الله تبارك وتعالى عُرف أصلاً بالوحي من كلامه تعالى وكلام نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وأن العقل الصحيح يؤيد هذا النص الصريح، فلا تعارض ما بين العقل والنقل أصلاً، ولكن العقل لا يعمل وحده لأنه أعجز من أن يتعرف على الله التعرف الكامل، إلا أنه يستدل من خلاله على بعض صفات الله تعالى، ولذلك أمرنا الله تبارك وتعالى بقوله: ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ))[يونس:101]، وقال: ((وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ))[الذاريات:20-21]، وأمرنا أن ننظر من خلال أبصارنا وأن نُعمل عقلنا في النظر في ملكوته سبحانه الذي هو من أدلة وجوده سبحانه.

إذن هذه العبارة ليس بإطلاقها، وإنما نقول: عُرف الله تعالى بالعقل في مدلول النقل، فيما لا يتعارض مع النقل، والأصل أنه عرف بالنقل أولاً وأن العقل الصحيح أيّد هذا النقل، أما العقل وحده لا يمكن أن يتعرف على الله؛ لأنه لا يستطيع أن يتعرف على ذبابة تعرفا كاملا، خاصة وأن العقول تختلف من شخص لآخر، وبهذه الكيفية لو أننا احتكمنا إلى العقل وحده لكان لكل إنسان إله يخصه لأن كل واحد منا له عقل يخصه، ونحن نعلم أن هناك إلها واحدا هو الله، ولا سبيل لمعرفته المعرفة الكاملة إلا من خلال كلامه وكلام نبيه عليه الصلاة والسلام في حدود النصوص أيضاً، لأننا لا نستطيع كما قال الله تبارك وتعالى: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ))[الأنعام:91] أن نتعرف على الله تبارك وتعالى العلم الكامل؛ لأن الله تعالى يقول: ((وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا))[الإسراء:85]، فنحن عرفنا الله على قدر النصوص التي وردت لنا فقط، أما بقية المعارف فسنعرفها بأنفسنا يوم القيامة - بإذن الله تعالى – أو في الجنة.

وأما مسألة دلالة إبراهيم عليه السلام فهذا ليس دليلاً عقلياً، وإنما كان عبارة عن حوار مع قومه، ليس دليلاً على إيمان إبراهيم عليه السلام، فإيمان بإبراهيم أرسخ من الجبال، لكنه أراد أن يسخر من قومه فضرب لهم تلك الأمثلة، قال: هذا ربي، هذا ربي؛ لأنه يعلم أن هذا كله لا يصلح أن يكون إلهاً. ولهذا قال الله ((وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ))[الأنعام:83].

فحوار إبراهيم لم يكن عن دراية بالإله الحق، وإنما حوار تنزل، ليتمكن من إقناع قومه بالتدرج العقلي لفهم الإله الحق.

وقضية إدريس أيضاً عليه السلام لم يثبت أنه تعرف على الله تعالى بالعقل وحده، وكيف وهو نبي يوحى إليه، أين ذهب بالوحي الذي أوحي إليه؟! والقرآن ما كلمنا عن إدريس إلا في موضع محدود جدّاً ولم يتكلم عن قضية كيفية إيمان إدريس عليه السلام ولا غير ذلك.

وإنما أقول: إن دليل إبراهيم عليه السلام كان في إفحام قومه وإثبات أن ما هم عليه باطل، ولكن لم يكن في الإيمان أو في الدليل على معرفة الله تعالى.

أسأل الله لك التوفيق، وأسأل الله أن يشرح صدر خالك للذي هو خير، وأتمنى أن يراجع هذه المسألة في كتب العقيدة، وسيعرف أن قوله بهذا الإطلاق ليس صواباً، وإنما نحن عرفنا الله تبارك وتعالى بالنقل وأن العقل يؤيد ذلك عن طريق معرفة بعض صفات الله تبارك وتعالى وبعض قدراته وإمكاناته.

فنحن نحتاج العقل لفهم النقل، ولذلك كان العقل مناط التكليف، فالذي لا يعقل لا تكليف عليه، وليس معنى كون العقل مناط التكليف أن العقل يستقل بمعرفة الإله دون توجيه أو وحي من الإله الحق.


هذا، وبالله التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
قدسية الكعبة 5418 الأحد 10-06-2012 12:26 مـ
كيف أجعل نيتي خالصة لوجه الله؟ 30493 الأربعاء 07-12-2011 10:11 صـ
معنى توأم الروح والفرق بينه وبين المحبة (مطلق المحبة) 40993 السبت 29-01-2011 08:59 صـ
التوبة من ممارسة المحرمات 4985 الثلاثاء 17-02-2009 08:20 صـ
كيفية المحافظة على الصلاة 90646 الأربعاء 05-03-2008 08:06 مـ