أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : عصيت الله كثيرا وأفسدت علاقتي مع الله.. فكيف أستعيدها؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعتقد أن الواحد لا يضع سؤاله إلا وقد أصابه الإحباط واليأس.

أنا طالب أدرس في الخارج وقعت في المحرمات من زنا وخمور، عمري ما عرفت أن ألتزم في الصلاة لأكثر من أسبوع حتى في رمضان للأسف، كلما حاولت أن أقرب من ربي أبعد عنه أكثر، حاولت أن ألتزم وأصلي القيام وأدعو، ولي على هذا الحال أربع سنوات، ولم أستطع أن أخرج من الحال التي أنا فيها.

كنت طالبا مجتهدا، والآن صرت مهملا، ولم أستطع أن ألتزم في أي شيء أكثر من مرة، أرادوا فصلي من الجامعة بسبب إهمالي وأنا والله أمكث طوال الليالي بوضع لا يعلم به إلا الله.

الخمر شربته مرتين، ولم أعد له، لكن الزنا لم أنته عنه إلا منذ فترة بسيطة، كل يوم أحاول أن أبدأ صفحة مع نفسي.

حاولت بكل الطرق، وأهم ما أركز عليه علاقتي مع ربي، لكن لم أستطع أن ألتزم، وتولد شعور عندي بأني إنسان لا فائدة مني، ولا من وجودي، كثيرا أفكر أن أنتحر ويكفيني ذنوب، هل هناك أمل أن أرجع إنسانا مثل الأول حتى في الدراسة؟

مستقبلي يتدمر أمامي، وأنا والله لم أعد أعرف كيف أتصرف؟ وعلاقتي مع الله عمرها ما استمرت، أشعر بالعجز.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يجنبك الفواحش، والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يُباعد بينك وبين الحرام، وأن يجعل بينك وبينه كما بين المشرق والمغرب.

كما نسأله تبارك وتعالى أن يمنّ عليك بصحبة صالحة تكون عونًا لك على طاعته ورضاه، وأن يوفقك في دراستك، وأن يفتح عليك فتوح العارفين بحكمته، وأن ينشر عليك خزائن علمه ورحمته حتى تعود إلى بلدك سالمًا غانمًا آمنًا مستقرًا.

وبخصوص ما ورد برسالتك - ابني الكريم الفاضل – فرغم هذه الصورة السوداوية المظلمة التي رسمتها لواقعك المؤلم المرير، إلا أني أرى أن هناك شُعاعًا قويًّا ينبعث من أعماقك ومن داخل قلبك، أرى فيك خيرًا كثيرًا، وأرى أن الآمال عليك كبيرة، خاصة وأن لديك حِسًّا إيمانيًا قويًّا، وأن نور الإيمان لم ينطفئ في قلبك إلى الآن، والدليل على ذلك أنك في السطر الرابع قبل الأخير تقول: (أهم ما أركز عليه هي علاقتي مع ربي) فأنت تشعر بأن هذه هي القضية الأساسية التي ينبغي أن تحافظ عليها، وعبدٌ مثلُك رغم هذا السوء إلا أن الله يُحبه، والدليل على ذلك أن الله ما أطفأ جذوة الإيمان في قلبك، فإن الإيمان إذا خرج من قلب العبد لا يرجع إليه، ولقد فعلت أنت من المعاصي ما يكفي لمحو كل آثار الإيمان في قلبك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا زنى العبد خرج الإيمان من قلبه فكان فوق رأسه كالظلة، فإن تاب وإلا لن يرجع إليه الإيمان) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.

ولذلك - ابني الكريم عبد الرحمن – أتمنى ألا تستسلم لهذا الواقع المرير، واعلم أن إنقاذ عبد الرحمن في يد عبد الرحمن نفسه، لأنه لا توجد هناك قوة في الأرض تستطيع أن تُعيد عبد الرحمن إلى عبد الرحمن إلا عبد الرحمن نفسه أيضًا، فأنت الذي قد أدخلت نفسك في هذا التيه، وفي تلك المنعطفات الوعرة، ودفعت بنفسك إلى أعماق المعاصي، حتى أصبحتَ بهذه الصورة التي دفعتك إلى أن تُفكر في الانتحار لكثرة الذنوب التي تقع فيها ليلاً ونهارًا.

ولدي عبد الرحمن: لن يُنقذ عبد الرحمن إلا عبد الرحمن، لن يُنقذك إلا أنت – صدقني – ولكن كما تعلم أن المخاض صعب، فالمرأة أشد لحظات حياتها عندما يخرج جنينها من بطنها، تكادُ أن تلفظ أنفاسها مع خروجه، وما أن يخرج حتى تشعر بنوع من الأمن والأمان والسعادة الغامرة تنسى معها كل تلك الآلام القاتلة.

أنت تحتاج إلى قرار قوي وشجاع، هذه اللحظة هي أصعب لحظة في حياتك، ولكن صدقني ما أن تتخذ القرار وتثبت عليه فترة إلا وتشعر بأنك خرجت من الظلمات إلى النور، ومن الضيق إلى السعة، ومن الجهل إلى العلم، ومن الفقر إلى الغنى، ومن العدم إلى الحياة.

قرار لابد أن تأخذه – ولدي عبد الرحمن – وليس أمامك خيار، أنت رجل قادر لأنك الآن في الثالثة وعشرين من عمرك، وأقل منك سِنًّا قادوا الجيوش العظيمة التي فتحت الفتوحات، والتي أقامت العدل ونشرت الإسلام في العالم.

أنت لست شخصًا بسيطًا ولا صغيرًا - يا ولدي – أنت رجل عظيم، ولكنك لا تعرف قيمة نفسك، عظيم لأن في قلبك (لا إله إلا الله) عظيم لأن اسمك (عبد الرحمن) فأتمنى أن تجتهد وأن تجمع همّتك على أخذ قرار شجاع وقوي وجريء تُغيِّر به هذا الواقع.

أنت تقول أنك حاولت الصلاة ولم تستمر أكثر من أسبوع، معنى ذلك أنك تحاول، وأنك نجحت في الأسبوع، هذا الأسبوع قد يكون العمر كله، أهم شيء أخذ القرار الحازم والقرار القوي، ونعلم أن هذا القرار لن يكون سهلاً، كما ضربتُ لك مثالاً بالمخاض، مخاض الأم، ولكنه في النهاية لابد أن يكون، لأنك لا خيار أمامك، بما أنك رجل مسلم تُحب الله ورسوله، هذه الحياة التي أنت فيها أنت شخصيًا تمللتَ منها ومللتها، وحاولت أن تتخلص منها كلها، فمعنى ذلك أنك موقن أن هذا ليس هو الطريق الصحيح الذي ينبغي أن تسير فيه، وليس هو المنهج الذي ينبغي أن تكون عليه.

فخذ قرارًا شجاعًا بتغيير واقعك، هذا التغيير يكون بإرادة داخلية عزيمة صُلبة قوية، هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني: البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في المعاصي، فأنت تعلم أن هناك أماكن تبيع الخمر فلا تذهب إليها، وحاول وستنجح، تعلم أن هناك أماكن يكون فيها النساء الغانيات الساقطات أو اللواتي تستطيع أن تقضي معهنَّ شهوة الحرام فلا تذهب إلى هذه الأماكن، تعلم أن هناك فتيات يتصلن بك فلا ترد عليهنَّ، ولا مانع من تغيير رقم هاتفك إن أفضى الأمر إلى ذلك.

لا مانع من تغيير محل إقامتك إذا كان ذلك سيُعينك، أنت تعلم أن الصحبة التي معك لم ولن تتغير بسبب وجودك بينها لأنك معها منذ فترة وأنت تتدنى كل يوم، فلابد من تغييرها.

لابد من تغيير أمور كثيرة في حياتك، غَيِّر أصدقائك، غيِّر نفسك، غيِّر محل إقامتك، غيِّر هاتفك، غيِّر الطرق التي تمشي فيها والأماكن التي تزورها.

ولعلك تعلم قصة الرجل الذي قتل مائة نفس ثم لما أراد أن يتوب سأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على رجال عالم فقال: هل لي من توبة؟ قال: وما الذي يحول بينك وبين التوبة، لكن اذهب إلى أرض كذا وكذا فإن بها قومًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم.

المقصود من هذا تغيير البيئة وتغيير المكان وتغيير الرفقة والصحبة، والهروب بالدين إلى مكان تستطيع أن تعبد الله تعالى وتبتعد عن مواطن الفتن والفواحش ما ظهر منها وما بطن، فأغلى شيء عند الإنسان هو دينه، أغلى من طعامه وشرابه، نسأل الله تعالى ألا يجعل مصيبتنا في ديننا.

لابد من قرار – يا ولدي – لابد من تضحيات حتى تصل للنتيجة المرجوة، حاول أن تجعل المذاكرة عادة كالطعام والشراب، لا تجعلها حسب الظروف، ورتب وقتك بدقة، وتوجه إلى الله بالدعاء، اربط نفسك بالمراكز الإسلامية التي تُوجد بجوارك أو القريبة منك أو المسجد، وحاول أن تقضي معظم وقتك في المسجد مع المسلمين، وعليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى، واغسل نفسك من ذنوبك بكثرة بالتوبة والاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – وأبشر برحمة الله ومغفرته وتوفيقه وسداده.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
خائف من أذية الناس لي فكيف أحصن نفسي؟ 3471 الخميس 23-07-2020 05:29 صـ
يضطرب حال جسمي وقلبي عند فعل معصية، فما سبب ذلك؟ 1795 الثلاثاء 21-07-2020 03:19 صـ
أعاني من القلق ونقص العاطفة والحنان من والدي! 1977 الأربعاء 15-07-2020 06:09 صـ
ما الفائدة من الزواج في ظل هذا الفساد؟ 1620 الثلاثاء 14-07-2020 05:37 صـ
أنا شاب ودواعي الانحراف كثيرة، ما نصيحتكم؟ 1257 الخميس 09-07-2020 05:30 صـ